للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَرْفَعُ حَاجِبَهُ فَإِنَّهُ إذَا رَأَى قُرْصَ الشَّمْسِ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَإِنْ رَآهَا عَلَى حَاجِبِهِ فَهُوَ بَعْدُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: إذَا اسْتَقْبَلْتَ الشَّمْسَ بِوَجْهِكَ إلَخْ.

ص (وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ لِلِاصْفِرَارِ)

ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ الظُّهْرِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى وَقْتِ الْعَصْرِ قَالَ الْجُزُولِيُّ وَلَهَا اسْمَانِ تُسَمَّى صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَاةَ الْعَشِيِّ أَمَّا صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَلِأَنَّهَا تُصَلَّى عِنْدَ مَعْصَرِ النَّهَارِ أَيْ: آخِرَهُ وَتُسَمَّى الْعَشِيَّ؛ لِأَنَّهَا تُصَلَّى عَشِيَّةً انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ صَلَاةُ الْعَصْرِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَشِيِّ فَإِنَّهَا تُسَمَّى عَصْرًا، وَقِيلَ: مِنْ طَرَفِ النَّهَارِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ طَرَفٍ مِنْ النَّهَارِ عَصْرًا وَفِي الْحَدِيثِ «حَافِظُوا عَلَى الْعَصْرَيْنِ صَلَاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا» يُرِيدُ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ انْتَهَى.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَالْمُرَادُ بِالْبَرْدَيْنِ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ» وَالْبَرْدَيْنِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ الْمُخْتَارِ، وَآخِرَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ» وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَصُفْرَتُهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْأَرْضِ وَالْجُدُرِ لَا فِي عَيْنِ الشَّمْسِ حَكَاهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى.

وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ نَحْوَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ فَإِنَّهَا لَا تَزَالُ نَقِيَّةً حَتَّى تَغْرُبَ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَمْ تَصْفَرَّ عَلَى الْجِدَارَاتِ وَالْأَرَاضِي وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَى أَنْ تَصِيرَ زِيَادَةُ ظِلِّ الشَّخْصِ مِثْلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْقَوْلَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَا يَزَالُ بَيَاضُهَا نَاصِعًا حَتَّى يَنْتَهِيَ ثَنْيُ الظِّلِّ فَإِذَا أَخَذَ فِي التَّثْلِيثِ نَقَصَ الْبَيَاضُ حَتَّى تَأْخُذَ الشَّمْسُ فِي التَّطْفِيلِ فَتَتَمَكَّنُ الصُّفْرَةُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ وَالتَّطْفِيلُ مَيْلُ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ، وَقِيلَ: طَفَّلَ اللَّيْلُ بِالتَّشْدِيدِ إذَا أَقْبَلَ ظَلَامُهُ وَالطَّفَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ إذَا طَفَلَتْ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَبِالْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَوْلُهُمْ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ هَذَا مِمَّا رَأَيْت بَعْضَ الْجَاهِلِينَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ بِأَبَاطِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَيْءِ وَالظِّلِّ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: يَذْهَبُ الْعَوَامُّ إلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظِّلُّ يَكُونُ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً وَمِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ وَمَعْنَى الظِّلِّ السَّتْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَنَا فِي ظِلِّكَ، وَمِنْهُ ظِلُّ الْجَنَّةِ وَظِلُّ شَجَرِهَا إنَّمَا هُوَ سِتْرٌ فَظِلُّ اللَّيْلِ سَوَادُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ كُلَّ شَيْءٍ وَظِلُّ الشَّمْسِ مَا سَتَرَتْهُ الشُّخُوصُ مِنْ مَسْقَطِهَا، وَأَمَّا الْفَيْء فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يُقَالُ: لِمَا قَبْلَهُ فَيْءٌ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ ظِلٌّ فَاءَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ أَيْ: رَجَعَ وَالْفَيْءُ الرُّجُوعُ هَذَا كَلَامُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَهُوَ نَفِيسٌ وَقَدْ ذُكِرَ غَيْرُهُ مِمَّا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَلَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) كَلَامُهُ فِي الصِّحَاحِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الظِّلُّ مَا نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ، وَالْفَيْءُ مَا نَسَخَ الشَّمْسَ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ رُؤْبَةَ كُلَّمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَهُوَ فَيْءٌ وَظِلٌّ وَمَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَهُوَ ظِلٌّ انْتَهَى. فَكَلَامُ ابْنِ السِّكِّيتِ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَمَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ ظِلٌّ وَمَا بَعْدَهُ فَهُوَ فَيْءٌ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَاعْتَرَضَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>