للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَصَلَ الشَّهَادَتَيْنِ أَخْفَى صَوْتَهُ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ فَدَعَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَرَكَ أُذُنَهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ وَقَدْ انْتَفَى السَّبَبُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَنْتَفِي سَبَبُهُ وَيَبْقَى كَالرَّمَلِ فِي الْحَجِّ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُؤَذِّنُونَ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَوْلًا أَنَّهُمْ إذَا كَثُرُوا يُرَجِّعُ الْأَوَّلُ خَاصَّةً، وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مَا أَرَى كَانَ الْأَذَانُ إلَّا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ يُثَنِّي كُلُّهُمْ فَلَمَّا كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ خَفَّفُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَصَارَ لَا يُثَنِّي مِنْهُمْ إلَّا الْأَوَّلَ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا اُبْتُدِعَ، لِقَوْلِهِ: فَلَمَّا كَثُرُوا خَفَّفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَيْ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَكَى مَا رَأَى وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ ارْتَضَاهُ حَتَّى يُجْعَلَ قَوْلًا لَهُ فَضْلًا أَنْ يُجْعَلَ تَرْكًا لِقَوْلٍ قَدْ عُرِفَ مِنْهُ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مُخْتَصِرًا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ التَّرْجِيعُ. وَذَكَرَ عِيَاضٌ: التَّخْيِيرَ فِيهِ لِأَحْمَدَ لِاخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْمَجْهُولِ آخِرُهَا، قَالَ وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ عَنْ مَالِكٍ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيَاضٍ هُوَ فِي الْإِكْمَالِ فَإِنْ تَرَكَ التَّرْجِيعَ فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ أَعَادَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ طَالَ صَحَّ أَذَانُهُ وَلَمْ يُعِدْ شَيْئًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّرْجِيعَ اسْمٌ لِلْعَوْدِ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَقِيلَ: أَنَّهُ اسْمٌ لِلْعَوْدِ وَقِيلَ: لِمَا يَأْتِي بِهِ أَوَّلًا وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بِأَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ أَوَّلًا)

ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِأَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ فِي التَّرْجِيعِ فَقَطْ فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ مَرْفُوعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ بِأَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ بِغَيْرِ رَفْعٍ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْأَبِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ الثَّانِيَ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْجَلَّابِ وَالتَّلْقِينِ انْتَهَى. وَلَمْ يَرْتَضِ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ عَلَى الْأَوَّلِ.

(تَنْبِيهٌ) اُتُّفِقَ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ فِي آخِرِ الْأَذَانِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَكُونُ صَوْتُهُ فِي تَرْجِيعِ الشَّهَادَتَيْنِ أَرْفَعَ مِنْ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ صَوْتٌ يُسْمَعُ، وَأَنَّهُ لَا يُخْفِيهِمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ عَلَى وَجْهِ الْأَذَانِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَالْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِخَفْضٍ لَا يَقَعُ بِهِ إعْلَامٌ وَإِنَّمَا هُوَ رَفْعٌ دُونَ رَفْعٍ انْتَهَى، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ رُبَّمَا غَلِطَ بَعْضُ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ فَيُخْفِي صَوْتَهُ حَتَّى لَا يُسْمَعَ وَهَذَا غَلَطٌ.

ص (مَجْزُومٌ)

ش: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا مِنْ الْأَوْصَافِ الْوَاجِبَةِ فِي الْأَذَانِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ: اخْتَارَ شُيُوخُ صِقِلِّيَةَ جَزْمَ الْأَذَانِ، وَشُيُوخُ الْقَرَوِيِّينَ إعْرَابَهُ، وَالْجَمِيعُ جَائِزٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَيَجْزِمُ آخِرَ كُلِّ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَذَانِ، وَلَا يَصِلُهَا بِمَا بَعْدَهَا، وَيَدْمُجُ الْإِقَامَةَ لِلْعَمَلِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْإِقَامَةُ مُعْرَبَةٌ، وَقَالَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْإِقَامَةُ مُعْرَبَةٌ إذَا وَصَلَ كَلِمَةً بِكَلِمَةٍ فَإِنْ وَقَفَ وَقَفَ عَلَى السُّكُونِ وَأَمَّا الْأَذَانُ فَإِنَّهُ عَلَى الْوَقْفِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْأَذَانُ وَالتَّكْبِيرُ كُلُّهُ جَزْمٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَعَوَامُّ النَّاسِ يَضُمُّونَ الرَّاءَ مِنْ " اللَّهُ أَكْبَرُ " الْأَوَّلِ، وَالصَّوَابُ جَزْمُهَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا، وَمَنْ أَعْرَبَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " لَزِمَهُ أَنْ يُعْرِبَ " الصَّلَاةَ " " وَالْفَلَاحَ " بِالْخَفْضِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ بِلَفْظِ لِأَنَّ الْأَذَانَ مَوْقُوفًا سُمِعَ إلَخْ ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: الْأَذَانُ مَوْقُوفٌ، وَمَنْ حَرَّكَهُ فَإِنَّمَا يُحَرِّكُ الرَّاءَ بِالْفَتْحِ، قَالَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: وَيَجُوزُ فِي الرَّاءِ مِنْ " أَكْبَرُ "

<<  <  ج: ص:  >  >>