للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ قُلْتَ: أَرْضٌ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ مَسِيرَةُ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْهَا.

(قُلْتُ) : هِيَ أَرْضُ دِيَارِ ثَمُودَ نَصَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْهَا.

(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: سُئِلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَيْنَ عُلِمَتْ الْبِئْرُ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ فَقَالَ بِالتَّوَاتُرِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِسْلَامُ انْتَهَى، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَهَا بِالْوَحْيِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى مَنْ يَجِيءُ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى.

(الثَّالِثُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ: اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْآبَارِ فِي طَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا اضْطَرَّ لِلْوُضُوءِ بِهَا جَازَ وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْآبَارِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِمِ: وَيَلْحَقُ بِهَا كُلُّ مَاءٍ مَغْضُوبٍ عَلَيْهِ كَمَاءِ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ وَمَاءِ دِيَارِ بَابِلَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهَا أَرْضٌ مَلْعُونَةٌ» وَمَاءِ بِئْرِ ذَرْوَانَ الَّتِي وُضِعَ فِيهَا السِّحْرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاءِ بِئْرِ بَرَهُوتَ وَهِيَ بِئْرٌ بِالْيَمَنِ لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ شَرُّ بِئْرٍ فِي الْأَرْضِ بَرَهُوتَ انْتَهَى وَبَابِلُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ بِالْعِرَاقِ وَبِئْرُ ذَرْوَانَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ هِيَ بِالْمَدِينَةِ وَبِئْرُ بَرَهُوتَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ بِئْرٌ عَمِيقَةٌ بِحَضْرَمَوْتَ لَا يُسْتَطَاعُ النُّزُولُ إلَى قَعْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ الْمَاءُ الْعَذْبُ وَلَا أَعْلَمُ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ ابْنِ التِّينِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْعَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ.

(قُلْتُ) : تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ مَطْعُومٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ الْعَذْبَ وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا نُبِيحُ الْيَوْمَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحِجَارَةِ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ تُرِكَ وَجَرَى الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَامِلٌ لِلْعَذْبِ وَغَيْرِهِ نَعَمْ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلَا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَكَتَبَ قَبْلَهُ ضَادًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَشَارَ بِهَا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ وَاَلَّذِي فِي الْإِكْمَالِ وَأَصْلِهِ لِلْمَازِرِيِّ فِي الْمُعْلِمِ مَا نَصُّهُ: وَشَذَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَرَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ طَعَامٌ عِنْدَهُ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالطَّعَامِ مَمْنُوعٌ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْتُ: يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ مَنْعُهُ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ انْتَهَى.

(قُلْتُ) : وَيَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وَقَوْلُهُ {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: ١١] وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ عَذْبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يَصِحُّ التَّحْرِيمُ أَيْضًا إذْ لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّعَامِ امْتَنَعَ التَّطَهُّرُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ أَيْضًا جَمِيعُ الْمِيَاهِ الْمَكْرُوهَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا وَإِنَّمَا أَطَلْتُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ.

ص (وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى)

ش: لَمَّا عَرَّفَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ بِمَا تَقَدَّمَ نَبَّهَ عَلَى قُيُودٍ وَأَحْوَالٍ تَعْرِضُ لِلْمُطْلَقِ لَا تَسْلُبُهُ وَصْفَ الْإِطْلَاقِ أَعْنِي الطَّهُورَ لَكِنَّ مِنْهَا مَا لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَلَكِنَّهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِهِ وَهَذَا الْقِسْمُ يَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ وَكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ إلَى آخِرِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَلَا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِهِ وَهِيَ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى إلَى قَوْلِهِ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا وَلَمَّا كَانَ فِي صِدْقِ حَدِّ الْمُطْلَقِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا نَوْعُ خَفَاءٍ كَالْمَاءِ الْمَشْكُوكِ فِي مُغَيِّرِهِ وَمَا بَعْدَهُ أَتَى بِهَا بِلَفْظِ الْإِغْيَاءِ تَنْبِيهًا عَلَى بُعْدِهَا مِنْ حَدِّ الْمُطْلَقِ وَإِنْ سَاوَتْهُ فِي الْحُكْمِ وَالضَّمِيرُ فِي جُمِعَ وَذَابَ وَمَا بَعْدَهُمَا عَائِدٌ عَلَى الْمُطْلَقِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ عَوْدَهُ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا وَفِيهِ بُعْدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>