للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ، وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ لَمْ يَذْهَبَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ أَحَدٌ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ.

(قُلْت) لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا مَالِكٌ لِرُجُوعِ مَالِكٍ عَنْهَا فَلَا يُعْمَلُ بِهَا وَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَنْ عَلَى الْيَسَارِ، وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَامَّةٌ فِي الْإِمَامِ وَمَنْ عَلَى الْيَسَارِ؛ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَبِهِ أَحَدٌ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَبِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ أَدْرَكَ مَعَهُمْ الْمَأْمُومُ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي أَدْرَكَهُ مَعَهُمْ سَوَاءٌ اسْتَمَرَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ ذَهَبَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهُ عَلَى يَسَارِهِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي أَدْرَكَهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ فِي الْجُزْءِ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ جَلَسَ فِيهِ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك كَثْرَةُ فَوَائِدِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَبِهِ أَحَدٌ، مَعَ شِدَّةِ اخْتِصَارِهِ.

(السَّادِسُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا التَّشَهُّدَ فَلَا يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ. وَقَالَ سَنَدٌ: لَمَّا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي رَدِّ الْمَسْبُوقِ عَلَى الْإِمَامِ وَهَذَا فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ فَصَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ غَيْرَ التَّشَهُّدِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: هَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهَذَا بَيِّنٌ، فَإِنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِرَدِّ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ فِي صَلَاتِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِإِمَامٍ لَهُ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا فَذًّا وَلِهَذَا لَا يَسْجُدُ مَعَهُ فِي سَهْوِهِ انْتَهَى.

(قُلْت) وَإِذَا لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَرُدَّ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَتَوَقَّفَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي فِي ذَلِكَ فَقَالَ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا التَّشَهُّدَ فَلَا يَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ.

(قُلْت) وَانْظُرْ هَلْ يَرُدُّ عَلَى يَسَارِهِ؟ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَتُدْرِكُ فِيهِ الصُّبْحَ بِرَكْعَةٍ. عَنْ الْجُزُولِيِّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَالشَّيْخِ زَرُّوق أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَسَلَامُهُ كَسَلَامِ الْمَأْمُومِ، وَأَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ فَسَلَامُهُ كَسَلَامِ الْفَذِّ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَالرَّدُّ عَلَى الْإِمَامِ فَرْضٌ خَارِجٌ عَنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] وَقَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي صَلَاةِ الْجَنَائِزِ انْتَهَى.

(قُلْت) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ لَا فِي النُّكَتِ وَلَا فِي التَّهْذِيبِ وَاَلَّذِي فِي اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَرُدُّ تَسْلِيمَةً ثَانِيَةً عَلَى الْإِمَامِ قَالَ: وَهُوَ أَحْسَنُ أَنْ يُجْرِيَ السَّلَامَ فِي الْعَدَدِ يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى مَا يَجْرِي فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، فَيَرُدُّ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ عَلَى شِمَالِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا؛ لِأَنَّ رَدَّ التَّحِيَّةِ فَرْضٌ وَالْإِمَامُ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ فَيَرُدُّوا عَلَيْهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ قَدْ سَلَّمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِاَلَّتِي خَرَجَ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَرَى تَسْلِيمَةَ الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِ الْمُصَلِّي فَرِيضَةً خَارِجَةً عَنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَمَا يُسَلِّمُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْبُوقِ، وَنَحْوُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ والتِّلِمْسَانِيِّ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ السَّلَامِ عَلَى الْيَسَارِ عَلَى السَّلَامِ عَلَى الْإِمَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هُوَ تَشْبِيهُ رَدِّ الْمُصَلِّي بِرَدِّ السَّلَامِ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَلَمْ يُسَمِّهِ أَنَّ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَقَعُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ بِالتَّبَعِ فَلِذَلِكَ كَانَ الرَّدُّ سُنَّةً بِخِلَافِ الرَّدِّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ انْتَهَى.

(قُلْت) وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ يُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَيْضًا فِي التَّنْبِيهِ التَّاسِعِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَرَكَ الرَّدَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ قَدْ رَدُّوا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ سُنَّةٌ وَلَا فِيهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَإِنَّمَا هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>