مُسْتَفِيضٍ، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَمَلِ الْمُتَّصِلِ سِيَّمَا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَبِهَا اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ وَقُبِضَ الرَّسُولُ، وَأَقَامَتْ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ الصَّلَوَاتِ فِي الْجُمَعِ عَلَى مَا كَانَتْ تُقَامُ يَوْمَ وَفَاتِهِ وَاتَّصَلَ بِذَلِكَ عَمَلُ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ، انْتَهَى. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ قَبْلَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَرَوَى مُطَرِّفٌ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَذَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ وَتَسْلِيمَةً عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ مَالِكٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ.
قَالَ الْبَاجِيُّ تَخْرِيجًا عَلَى ذَلِكَ: إنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ رِوَايَتَيْنِ كَالْفَذِّ فَقَالَ الْإِمَامُ: وَالْفَذُّ يُسَلِّمَانِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ وَلَا يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْهُمَا، انْتَهَى. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً. الثَّانِيَةُ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ. قَالَ: وَلَا يُسَلِّمُ مَنْ خَلْفَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُمَا. الثَّالِثَةُ ذَكَرَهَا أَبُو الْفَرَجِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ رَدَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَةً ثَانِيَةً. قَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ وَاحِدٌ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ سَلَّمَ أُخْرَى عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَالْإِمَامُ وَالْفَذُّ تَسْلِيمَةً اللَّخْمِيُّ وَرُوِيَتْ ثَانِيَةٌ عَنْ الْيَسَارِ. أَبُو الْفَرَجِ إنْ كَانَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ أَحَدٌ وَرَوَى الْمَازِرِيُّ يُخْفِي سَلَامَهُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ؛ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: فَفِي الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ عِيَاضٌ الْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ، وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ ابْنِ زَرْقُونٍ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ: الْإِمَامُ وَاحِدَةً، انْتَهَى.
(قُلْت) لَيْسَ بِعَجِيبٍ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْبَاجِيِّ فِي جَعْلِهِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ تَخْرِيجًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ بِتَشْهِيرِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْفَذَّ يُسَلِّمَانِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْحَادِيَ عَشَرَ) كُلُّ مَنْ أَثْبَتَ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ إلَّا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَالْحَسَنَ بْنَ الصَّلَاحِ
قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ أَحْدَثَ الْمُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وِفَاقًا بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ، وَلَا يَشْتَرِطُ أَحَدٌ التَّسْلِيمَتَيْنِ إلَّا ابْنَ حَنْبَلٍ وَالْحَسَنَ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُمَا، وَمَنْ تَأَخَّرَ، انْتَهَى.
(الثَّانِي عَشَرَ) قَالَ فِي رَسْمِ نَذْرِ سُنَّةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ تَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ مَعَ الْإِمَامِ مَتَى يَقُومُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدَةً أَوْ يَنْتَظِرُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ انْتَظَرَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ سَلَامِهِ ثُمَّ يَقُومُ، وَقَالَ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ: إنْ قَامَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ وَاحِدَةً فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ السَّلَامَ الْأَوَّلَ هُوَ الْفَرْضُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَ سُنَّةٌ، فَإِذَا قَامَ بَعْدَ سَلَامِهِ الْأَوَّلِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ انْتَهَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ لِقَضَاءِ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُومُ لِلْقَضَاءِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ تَسْلِيمِهِ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فَإِنْ قَامَ بَعْدَ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يُعِيدُ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَعَلَى هَذَا لَا يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَ الْأُولَى أَجْزَأَهُ، انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَالْقَرَافِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي سَلَامِهِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ نَصٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ لَمَّا ذَكَرَ الرِّوَايَةَ عَنْ مَالِكٍ بِأَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَجَعَلَاهُ مِنْ تَمَامِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يُسَلِّمُ اثْنَتَيْنِ إلَّا بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَا ذَكَرَهُ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute