ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَقِسْمٌ مَكْرُوهٌ وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى الثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَقِسْمٌ جَائِزٌ وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتُسْتَحَبُّ الْمُبَاشَرَةُ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ تَنْبِيهٌ قَيَّدَ ابْنُ حَبِيبٍ الْحَصِيرَ الْمُرَخَّصَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَصِيرِ الْحَلْفَاءِ وَالْبَرْدِيِّ وَالدِّيَسِ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا مُخَيَّرٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ تُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِحَائِلٍ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ انْتَهَى. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ لَا يُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَتُهُ الْأَرْضَ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَنَصُّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُومَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَأَنْ يُبَاشِرَ بِجَبْهَتِهِ الْأَرْضَ انْتَهَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ أَمْ لَا وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الطَّنَافِسِ وَثِيَابِ الصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَبُسُطِ الشَّعْرِ وَالْأَدَمِ وَأَحْلَاسِ الدَّوَابِّ، وَلَا يَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَيْهَا وَلَكِنْ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَجْلِسُ وَيَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ، انْتَهَى.
وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَكْرُوهُ فَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: وَكُرِهَ سُجُودٌ عَلَى ثَوْبٍ، وَأَطْلَقَ فِي الثَّوْبِ لِيَشْمَلَ ثَوْبَ الْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَيُرِيدُ وَكَذَلِكَ بُسُطُ الشَّعْرِ وَالْأَدَمِ وَأَحْلَاسِ الدَّوَابِّ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَثَوْبٍ لِيَدْخُلَهَا لَكَانَ أَحْسَنَ، وَقَالَ: سُجُودٌ، لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ الْجُلُوسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: إذَا كَانَ الْأَصْلُ الرَّفَاهِيَةَ فَكُلُّ مَا فِيهِ رَفَاهِيَةٌ وَلَوْ كَانَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ كَحُصْرِ السَّامَّانِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ وَكُلُّ مَا لَا تَرَفُّهَ فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ كَالصُّوفِ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَمَا قَالَهُ فِي الصُّوفِ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ أَحْلَاسَ الدَّوَابِّ مِمَّا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا رَفَاهِيَةَ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ تَنْبِيهٌ فِيهَا ابْنُ حَبِيبٍ الْحَصِيرُ الْمُرَخَّصُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَصِيرِ الْحَلْفَاءِ وَالْبَرْدِيِّ وَالدِّيَسِ، وَالْحُصْرُ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَكُونُ فِيهَا رَفَاهِيَةٌ لِخُشُونَتِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْجَائِزُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ لَا حَصْرَ أَيْ فَلَا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ وَمَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَيَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَيْهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَجُوزُ عَلَى حَائِلٍ مِنْ نَبَاتٍ لَا يُسْتَنْبَتُ كَحَصِيرٍ أَوْ خُمْرَةٍ اللَّخْمِيُّ وَشَبَهُهُ مِمَّا لَا يُقْصَدُ لِتَرَفُّهِهِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْيِيدِ النَّبَاتِ بِمَا لَا يُسْتَنْبَتُ لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِتِلْمِيذِهِ الْأَبِيِّ قَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: الصَّلَاةُ عَلَى حَائِلٍ مَكْرُوهَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ مِمَّا يُشَاكِلُ الْأَرْضَ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ وَالْكِبْرُ كَحُصْرِ الْحَلْفَاءِ وَالْبَرْدِيِّ وَالدَّوْمِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ بِطَبْعِهَا وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ مَسْلَمَةَ الصَّلَاةَ عَلَى ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، وَالْأَظْهَرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُنْبِتُهُ بِطَبْعِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ التَّرَفُّهُ فَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي هَذَا الْقَصْدِ إلَى التَّوَاضُعِ وَتَرْكِ مَا فِيهِ التَّرَفُّهُ فَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ عَلَى حُصْرِ السَّامَّانِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا يُشْتَرَى بِالْأَثْمَانِ الْعِظَامِ وَيُقْصَدُ بِهِ الْكِبْرُ وَالتَّرَفُّهُ وَالزِّينَةُ وَالْجَمَالُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَدْ عَلِمْت أَنْ حُصْرَ السَّامَّانِ وَشَبَهَهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا حَصِير (الثَّانِي) إنَّمَا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى الثَّوْبِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ حَرًّا أَوْ بَرْدًا جَازَ أَنْ يَبْسُطَ ثَوْبًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ كَفَّيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي اعْتَرَضَ بِهَا الْمُرَابِطُ عُمَرُ وَأَمَّا مَا يَقِفُ عَلَيْهِ وَيَجْلِسُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ وَكَذَا مَا بَسَطَ لِحَرِّ الْأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute