للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي تَفَارِيعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْقَطْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِذِكْرِ الْمُتَنَفَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ صَلَاتِهِ فَرْضٌ آخَرُ غَيْرُ الَّذِي أُقِيمَ وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ: إذَا أُقِيمَتْ إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ، وَهَكَذَا لَفْظُ الْأُمِّ كَمَا اخْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ انْتَهَى.

وَفِي الْمُوَطَّإِ فِي بَابِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ: «سَمِعَ قَوْمٌ الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَصَلَاتَانِ مَعًا؟ أَصَلَاتَانِ مَعًا؟ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ» قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَلَيْسَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَصَلَاتَانِ؟ مَعًا يَمْنَعُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ، وَالنَّاسُ فِي صَلَاةِ الْإِشْفَاعِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِنَافِلَةٍ عَنْ فَرِيضَةٍ تُقَامُ فِي الْجَمَاعَةِ وَالْمَسَاجِدُ إنَّمَا بُنِيَتْ لِلْفَرَائِضِ لَا لِلنَّوَافِلِ فَاَلَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعِشَاءِ أَحَقُّ بِإِقَامَتِهَا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْمُصَلِّينَ فِيهِ جَمَاعَةً نَافِلَةَ الْإِشْفَاعِ كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، وَعَلَى مَا قُلْت: جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى.

وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ حَالَةَ كَوْنِ الْإِمَامِ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَيَلْحَقُهُ فِي الظُّهْرِ وَكُلُّهُ بِالْمَسْجِدِ، وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ جَوَابُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، وَالْإِمَامُ فِي غَيْرِهِ لَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا فِي أَفْنِيَتِهِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ (قُلْت) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَصَلَاتَانِ مَعًا إنْكَارًا لِذَلِكَ.

، وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ جَوَازُهُ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْوَتْرِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فَحَكَى الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلتَّهْذِيبِ قَوْلَيْنِ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِقُرْبِ الدَّرَجَةِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ انْتَهَى.

فَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَا يَنْبَغِي لَعَلَّهُ يُرِيدُ الْمَنْعَ، وَإِلَّا فَلْيَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ قَوْمٍ صَلَّوْا فِي مَسْجِدٍ بِإِمَامَيْنِ قَوْمٌ فِي دَاخِلِهِ وَقَوْمٌ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ صَحْنِهِ فَقَالَ: صَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ، وَلَا يُعِيدُونَ (قُلْت) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إمَامٌ رَاتِبٌ فَيَجُوزُ كَيْفَمَا فَعَلَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَاخْتَلَطَ مَعَهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مَنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ إمَّا مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً، فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ هَذَا انْتَهَى.

، وَقَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ الصَّلَاةِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْمَمْنُوعَةِ: فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي فَرْضٍ، فَلَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَذًّا، وَلَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً غَيْرَهَا، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَإِنْ فَعَلَ أَسَاءَ، وَتُجْزِئْهُ قَالَهُ فِيمَنْ يُصَلِّي فَذًّا مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ جَمَاعَةً انْتَهَى.

، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ لَمْ أَرَهُ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْقَوَاعِدِ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ عَدَّ مِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ إقَامَةَ الْإِمَامِ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى فَتَأَمَّلْهُ، وَفِي الْأَبِيِّ شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» مَا نَصُّهُ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَفَى الْكَمَالَ لَا الْإِجْزَاءَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ الْمُصَلِّيَ بِالْإِعَادَةِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى.

وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي فَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ بِالْإِجْزَاءِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَا لَوْ أَتَمَّ بَعْضُهُمْ وُحْدَانًا، وَنَصُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وُحْدَانًا بِمَنْزِلَةِ جَمَاعَةٍ وَجَدُوا جَمَاعَةً يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ بِإِمَامٍ فَقَدَّمُوا رَجُلًا مِنْهُمْ، وَصَلَّوْا قَالَ الْبَاجِيُّ قَالُوا: وَلَوْ هُمْ قَدَّمُوا رَجُلًا إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ صَلَّى فَذًّا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَجْزِيهِ صَلَاتُهُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّي بِإِمَامٍ فَصَلَّى وَحْدَهُ فَذًّا انْتَهَى.

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ هَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي نَافِلَةً كَقِيَامِ رَمَضَانَ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَرَأَيْتُ فِي طُرَّةِ كِتَابٍ وَسُئِلَ أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَوَّادٍ شَيْخُ الْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ، وَالْإِمَامُ يُصَلِّي الْإِشْفَاعَ، فَقَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ انْتَهَى.

تَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ الْجَلَّابِ فِيمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الْإِشْفَاعِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا انْتَهَى.

مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الزَّنَاتِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ وَاَللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>