للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ أَمَّ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ، وَهَذَا اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ (الْقَوْلُ السَّادِسُ) أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ اللَّحَّانِ جَائِزَةٌ ابْتِدَاءً، وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنْكَرَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقَالَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: نَقْلُ اللَّخْمِيِّ الْجَوَازَ مُطْلَقًا لَا أَعْرِفُهُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ حَبِيبٍ وَاخْتَارَهُ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِيمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَزَا لِابْنِ حَبِيبٍ الْكَرَاهَةَ انْتَهَى.

(قُلْت) مَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرٌ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي بِاللَّحَّانِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ، وَقَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ تَرْجِيحُهُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ السَّادِسَ ضَعِيفٌ شَاذٌّ، وَأَنَّ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ مُرَجَّحَةٌ مُصَحَّحَةٌ وَأَرْجَحُهَا ثَلَاثَةٌ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْقَوْلُ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَرْجَحُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْقَوْلُ الَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَعُلِمَ أَيْضًا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالشَّاذُّ الصِّحَّةُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ غَيْرُ شَاذٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: وَالشَّاذُّ الْجَوَازُ (الثَّانِي) : تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي بِاللَّحَّانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ صَلَاتِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الشُّيُوخِ لَمْ يَذْكُرُوا حُكْمَ صَلَاتِهِ هُوَ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ نُقُولِهِمْ السَّابِقَةِ، وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ، وَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي حُكْمِ صَلَاتِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَابْنِ الْقَصَّارِ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يُغَيِّرَ لَحْنُهُ الْمَعْنَى أَوْ لَا، فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي بِهِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّ صَلَاتَهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ اللَّبَّادِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ يَلْحَنُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ، قَالَ: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ حَالُهُمَا، وَذَكَرَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ الْقَابِسِيِّ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، قَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَلْ يُخْرِجُ اللَّحْنُ الْكَلِمَةَ الْمَلْحُونَ فِيهَا عَنْ كَوْنِهَا قُرْآنًا وَيُلْحِقُهَا بِكَلَامِ الْبَشَرِ أَوْ لَا يَخْرُجُهَا عَنْ كَوْنِهَا قُرْآنًا انْتَهَى.

كَلَامُ عَبْدِ الْحَقِّ السَّابِقُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ يَنُبْنِي عَلَى أَنَّ اللَّحْنَ هَلْ يُلْحِقُ الْقِرَاءَةَ بِكَلَامِ النَّاسِ وَيُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا أَمْ لَا انْتَهَى.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُفَصَّلَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) : إذَا وَقَعَ اللَّحْنُ مِنْ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ سَهْوًا أَوْ غَيْرَ سَهْوٍ فَإِنْ كَانَ سَهْوًا، فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ وَقَعَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ غَيَّرَ الْمَعْنَى أَمْ لَمْ يُغَيِّرْهُ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا، وَغَايَتُهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ اللَّاحِنُ أَسْقَطَ مِنْ الْفَاتِحَةِ كَلِمَةً أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا سَهْوًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ اللَّحْنُ سَهْوًا فِي الْغَالِبِ، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ آيَةً مِنْهَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَكَيْفَ بِالْكَلِمَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يَتْرُكْ ذَلِكَ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ اللَّحْنُ الْوَاقِعُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّهْوِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّوَابِ أَوْ أَتَى بِهِ الْمُصَلِّي لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّوَابِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّوَابِ، فَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ فَاعِلِ ذَلِكَ وَصَلَاةِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ عَمْدًا، وَالْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ اللَّحْنُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّوَابِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِعَجْزٍ عَنْ التَّعْلِيمِ أَمَّا لِعَدَمِ قَبُولِ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>