للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَامِعِ مِنْ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ خَارِجًا عَنْ بِنَاءِ الْقَرْيَةِ قَالَ سَنَدٌ أَمَّا الْمَسْجِدُ فَهُوَ شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ خِلَافٌ عَنْ أَحَدٍ إلَّا أَبِي ثَوْرٍ وَشَيْءٌ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ مَالِكٍ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ الْمَسْجِدُ إلَّا دَاخِلَ الْمِصْرِ وَلَا تُصَلَّى فِي مَسْجِدِ الْعِيدِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجُوزُ خَارِجَ الْمِصْرِ قَرِيبًا نَحْوَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي جُعِلَتْ مُصَلًّى لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ الْعَمَلُ الْمُتَّصِلُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمِصْرِ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ، أَعْنِي إذَا سَافَرُوا عَنْ الْمِصْرِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ كَالْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ عَنْهُ، وَتُفَارِقُ الْجُمُعَةُ الْعِيدَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْجُمُعَةَ مَرْدُودَةٌ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ فِعْلُهَا بِمَكَانٍ وَأَنْ يَخْتَلِفَ فِيهَا الْمِصْرُ وَخَارِجُهُ كَصَلَاةِ السَّفَرِ، وَالْعِيدُ لَيْسَتْ مَرْدُودَةً مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ النَّوَافِلِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ قَالَ سَنَدٌ لَا تَكُونُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا دَاخِلَ الْمِصْرِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ مُصَلَّى الْعِيدِ تَشْبِيهًا لِلْجُمُعَةِ بِالْعِيدِ لَنَا أَنَّهُ مَكَانٌ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَيَكُونُ مُنَافِيًا لِمُوجَبِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْجَامِعُ شَرْطٌ وَاتِّصَالُهُ بِالدُّورِ شَرْطٌ فَلَوْ انْفَرَدَ الْجَامِعُ مِنْ الْبُيُوتِ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ قَالَهُ فِي الْمُنْتَقَى انْتَهَى.

وَنَصُّ كَلَامِ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ الْمَوْصُوفَةُ حَيْثُ الْجَامِعُ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ الْجَامِعِ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِانْفِرَادِهِ وَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ مِمَّنْ يَقْرُبُ عَدَدٌ كَثِيرٌ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ إقَامَتِهَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِانْفِرَادِهِ فَلَا تَصِحُّ بِمَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ بِالْقُرَى يَكُونُ الْجَامِعُ خَارِجَ الْقَرْيَةِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَإِنَّهَا تُقَامُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَوَجَدْت فِي تَعَالِيقِي - وَلَمْ أَدْرِ مِنْ أَيْنَ نُقِلَتْ - أَنَّ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالْجَامِعِ بَعِيدٌ انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَإِذَا قُلْنَا فِي الْجَامِعِ إنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْقَرْيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ حَتَّى يَكُونَ دُخَانُ الْمَنْزِلِ يَنْعَكِسُ عَلَيْهِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَنْزِلِ وَقَرُبَ مِنْهُ أَجْزَأَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ بَعُدَ لَمْ تُجْزِ فِيهِ.

قَالَ بَعْضُ: الشُّيُوخِ وَحَدُّ الْقُرْبِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْزِلِ أَرْبَعُونَ بَاعًا انْتَهَى.

(قُلْت) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الطِّرَازِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ الْجَوَازُ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ قَرِيبًا مِنْهُ إلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَأَمَّلْهُ.

ص (وَإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءً)

ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَلَوْ سَبَقَ فِي الْفِعْلِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَدِيدِ انْتَهَى.

نَصَّ عَلَى الْأَوَّلِ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ وَأَمَّا الثَّانِي فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فَاعْتِرَاضُ الْمَوَّاقِ غَيْرُ وَاضِحٍ وَانْظُرْ الطِّرَازَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فُرُوعًا تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَحَلِّ

ص (وَفِي اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ)

ش: الظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَشَيْخُهُ ابْنُ زَرْقُونٍ وَابْنُ الْحَاجِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَلِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كَانَ فَضَاءً حَوْلَ الْكَعْبَةِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ وَخِلَافَةِ الْفَارُوقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَانَتْ الْجُمُعَةُ تُقَامُ فِيهِ وَلَمْ يُذْكَرُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَنْكَرَ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ بِهِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ السَّقْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ عَلَى الِاشْتِرَاطِ لَوْ هُدِمَ الْمَسْجِدُ فَظُلِّلَ مَوْضِعُ السَّقْفِ بِسُتُورٍ وَنَحْوِهَا قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ نَقَضَ الْكَعْبَةَ وَجَعَلَ أَعْمِدَةً سَتَرَ عَلَيْهَا مَا نَصُّهُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي إنَّمَا يُمْنَعُ إقَامَتُهَا بِالْمَسْجِدِ الَّذِي انْهَدَمَ لِسَقْفِهِ إذَا لَمْ يُظَلَّلْ عَلَى السَّقْفِ بِسُتُورٍ وَأَمَّا لَوْ ظَلَّلُوا بِهَا لَنَابَتْ السُّتُورُ عَنْ السَّقْفِ كَمَا نَابَتْ عَنْ الْجُدُرِ فِي قَضِيَّةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بَلْ أَحْرَى وَنَزَلْتُ بِتُونُسَ لَمَّا نَزَلَ سَقْفُ جَامِعِهَا الْأَعْظَمِ وَخَطِيبُهَا الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ فَأَمَرَ أَنْ يُظَلَّلَ بِالْحُصْرِ وَخَطَبَ تَحْتَهَا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الصَّالِحُ أَبُو عَلِيٍّ الْقَرَوِيُّ وَكَانَ شَيْخُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>