للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَهُ عُثْمَانُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا إقَامَةُ أُبَّهَةِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى.

(الثَّانِي) قَالَ فِيهِ أَيْضًا: وَصَلَاتُهَا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِدْعَةٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ ثُمَّ عَلَّلَ كَوْنَهُ بِدْعَةً بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَمَرَ النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَمَرَ الْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ أَنْ يَخْرُجْنَ فَقَالَتْ إحْدَاهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ فَقَالَ: تُعِيرُهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا شَرَعَ لَهُنَّ الْخُرُوجَ وَشَرَعَ الصَّلَاةَ فِي الْبَرَاحِ؛ لِإِظْهَارِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ وَلِيَحْصُلَ لَهُمْ مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بَاعِدُوا بَيْنَ أَنْفَاسِ النِّسَاءِ وَأَنْفَاسِ الرِّجَالِ» فَمَا أُمِرْنَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَعَلَهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَكَانَ النِّسَاءُ بَعِيدًا مِنْ الرِّجَالِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَصَلَاتِهِ جَاءَ إلَى النِّسَاءِ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَلَوْ كُنَّ قَرِيبًا لَسَمِعْنَ الْخُطْبَةَ، وَلَمَا احْتَجْنَ إلَى تَذْكِيرِهِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ هَذَا وَجْهٌ. وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَسْجِدَ وَلَوْ كَبُرَ فَهُمْ مَحْصُورُونَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ أَبْوَابِهِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَتُتَوَقَّعُ الْفِتْنَةُ فِي مَوَاضِعِ الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الْبَرَاحِ وَهَذَا بِعَكْسِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَهُوَ أَنَّ الْمَسْجِدَ عِنْدَهُمْ كَبِيرٌ وَالْأَبْوَابُ شَتَّى لَا يَخْرُجُونَ إلَى الْبَرَاحِ؛ لِكَوْنِهِ أَوْسَعَ وَهُوَ السُّنَّةُ وَبَنَوْا فِي ذَلِكَ الْبَرَاحِ مَوْضِعًا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ قَدْرَ صَحْنِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ أَصْغَرَ، وَجَعَلُوا لَهُ بَابَيْنِ لَيْسَ إلَّا فَيَجْتَمِعُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَتَقِفُ الدَّوَابُّ وَالْخَيْلُ عَلَى الْبَابَيْنِ وَالْغَالِبُ أَنَّ النِّسَاءَ إذَا خَرَجْنَ لِغَيْرِ الْعِيدِ يَلْبَسْنَ الْحَسَنَ مِنْ الثِّيَابِ وَيَسْتَعْمِلْنَ الطِّيبَ وَيَتَحَلَّيْنَ فَمَا بَالُكَ بِالْعِيدِ. وَالرِّجَالُ أَيْضًا يَتَجَمَّلُونَ فَيَقَعَ الضَّرَرُ وَتَتَلَوَّثَ الْقُلُوبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّهَ الْمَوْضِعُ عَنْ هَذَا وَيُتْرَكَ مَكْشُوفًا لَا بِنَاءَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْدَرُ عَلَى إزَالَةِ مَا فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيمَا حَوَاهُ الْبِنَاءُ وَيُصَلِّي خَارِجًا عَنْهُ فِي الْبَرَاحِ وَهُوَ الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ بَلْ الْمُتَعَيِّنُ الْيَوْمَ كَمَا تَقَدَّمَ.

(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا كَانَ الْمَطَرُ وَالطِّينُ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الْمُصَلَّى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عَلَى سُنَّةِ الْعِيدِ فِي الْمُصَلَّى انْتَهَى.

مِنْ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ.

(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُصَلَّى فِي مَوْضِعَيْنِ قَالَ سَنَدٌ: يُرِيدُ أَنَّهَا لَا تُقَدَّمُ بِخُطْبَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَسْقَطَهَا الْبَرَاذِعِيّ مِنْ تَهْذِيبِهِ وَقَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَنَصُّهُ وَفِي الْكِتَابِ وَلَا تُصَلَّى فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَسَمَاعُهُمَا)

ش: يَعْنِي أَنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَتَيْنِ مُسْتَحَبٌّ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ بَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُهَا وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ قَالَهُ مَالِكٌ انْتَهَى.

وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْإِنْصَاتَ فِيهِمَا مُسْتَحَبٌّ، وَفِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ مَالِكٌ: يُنْصِتُ النَّاسُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَمَا يُنْصِتُونَ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا خُطْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ لِلصَّلَاةِ عِنْدَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْخُطْبَةِ فِي الْإِنْصَاتِ لَهَا.

وَذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ إلَى أَنَّهَا لِلتَّعْلِيمِ لَا لِلصَّلَاةِ كَخُطْبَةِ الْحَجِّ فَلَا يُنْصَتُ لَهَا وَدَلِيلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: «شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: إنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ إلَى الْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ» وَكَذَلِكَ خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ؛ إذْ لَا صَلَاةَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْخُطْبَةِ فِي الْإِنْصَاتِ لَهَا يَعْنِي أَنَّهُ يُطْلَبُ الْإِنْصَاتُ لَهَا كَمَا يُطْلَبُ الْإِنْصَاتُ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِيهِمَا.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ: يُنْصَتُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَالْجُمُعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>