كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلُ بِالضَّمِّ لِابْنِ مَسْلَمَةَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ عِنْدِي تَفْسِيرٌ لِلْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعَادِنَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرَضِينَ فَكَمَا يُضِيفُ زَرْعَ أَرْضٍ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى فَكَذَلِكَ الْمَعَادِنُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ أَقْيَسُ، وَعَدَمُ الضَّمِّ لِسَحْنُونٍ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُضَمُّ نَيْلٌ إلَى نَيْلٍ فَأَوْلَى مَعْدِنٌ إلَى مَعْدِنٍ، وَالْفَرْقُ لِلْمَذْهَبِ بَيْنَ الْمَعْدِنَيْنِ وَزَرْعِ الْفَدَادِينِ إنْ أَبَانَ الزَّرْعُ وَاحِدٌ، وَالْمِلْكُ شَامِلٌ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَعْدِنِ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْعَمَلِ، وَلَوْ كَانَا فِي وَقْتَيْنِ لَمْ يُضَمَّا اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا نَسَبَهُ الْقَرَافِيُّ لِلْمَذْهَبِ فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ كَلَامَهُ وَقَصْرُهُ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُضَمُّ مَعْدِنٌ لِآخَرَ إلَّا فِي وَقْتِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ، انْتَهَى، وَالْأَظْهَرُ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ وَيُقَابِلُهُ مَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ كَانَ لَهُ مَعْدِنَانِ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ ضَمَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَزَكَّاهُ الْبَاجِيُّ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَمَّا قَوْلُ سَحْنُونٍ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُوجَدَ فِي مَعْدِنٍ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا فِي عِرْقٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إذْ لَا يُضَمُّ عِرْقٌ لِعِرْقٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَفِي ضَمِّ فَائِدَةٍ حَالَ حَوْلُهَا) ش أَيْ: وَفِي ضَمِّ الْفَائِدَةِ الَّتِي حَالَ حَوْلُهَا نِصَابًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ إلَى مَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ دُونَ نِصَابٍ تَرَدُّدٌ فَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيُّ أَيْضًا الضَّمَّ وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ ضَمِّ الْمَعْدِنَيْنِ قَوْلًا بِعَدَمِ الضَّمِّ وَفَهِمَ ابْنُ يُونُسَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ عَنْهُ: وَقَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ النَّيْلُ وَابْتَدَأَ آخَرُ فَخَرَجَ لَهُ عَشَرَةٌ أُخْرَى وَالْعَشَرَةُ الْأُخْرَى بِيَدِهِ أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ وَيُزَكِّيَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ حَالَ حَوْلُهَا لَأَضَافَهَا إلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ لَهُ أَخِيرًا وَزَكَّى فَإِضَافَتُهَا إلَى هَذِهِ الْمَعْدِنِيَّةِ أَوْلَى، انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الَّتِي أَلْزَمهَا ابْنُ يُونُسَ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى الزَّكَاةِ فِيهَا فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا انْقَطَعَ النَّيْلُ بِتَمَامِ الْعِرْقِ ثُمَّ وُجِدَ عِرْقٌ آخَرُ فِي الْمَعْدِنِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ مُرَاعَاةَ النِّصَابِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ تَفْصِيلٌ إذْ لَا يَخْلُو مَا نَضَّ لَهُ مِنْ النَّيْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتْلَفَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ النَّيْلُ الثَّانِي فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ فَائِدَةٍ حَالَ حَوْلُهَا وَتَلِفَتْ، ثُمَّ أَفَادَ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، أَوْ يَتْلَفَ بَعْدَ أَنْ بَدَأَ فِي النَّيْلِ الثَّانِي وَقَبْلَ أَنْ يَكْمُلَ عِنْدَهُ بِمَا كَانَ مِنْ النَّيْلِ الْأَوَّلِ نِصَابٌ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَبْقَى بِيَدِهِ مَا حَصَلَ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى أَنْ كَمُلَ عَلَيْهِ مِنْ النَّيْلِ الثَّانِي تَمَامُ النِّصَابِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا جَوَابًا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يُزَكِّي بِاتِّفَاقٍ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بَلْ صَرِيحُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ نَيْلٌ إلَى نَيْلٍ، لَكِنَّ فِي قَوْلِهِ " وَإِنَّمَا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ خِلَافَ الْمُدَوَّنَةِ " نَظَرٌ، وَقَدْ فَرَّقَ الْمَازِرِيُّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بِيَدِهِ فَائِدَةٌ قَدْ حَالَ حَوْلُهَا لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِ الْحَوْلِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ، وَإِذَا أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ مِائَةً وَهِيَ فِي حُكْمِ مَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ صَارَ الْجَمِيعُ مَالًا وَاحِدًا حَالَ حَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ مِائَةً مَعْدِنِيَّةً أَوَّلًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهَا حَوْلٌ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ فِي حُكْمِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ حَوْلٌ تَقْدِيرًا، وَهَذَا التَّقْدِيرُ إنَّمَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ فِيمَا تَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ، وَهَا هُنَا لَمْ يَتَوَجَّهْ لِقُصُورِهِ عَنْ النِّصَابِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ هُنَا كَلَامًا مُشْكِلًا ثُمَّ ذَكَرَهُ، قَالَ: وَسَكَتَ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يُزَكِّي بِاتِّفَاقٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ " فَيَكُونُ كَابْتِدَائِهِ " أَنَّهُ بَقِيَ فِي يَدَيْهِ مَا نَضَّ لَهُ مِنْ النَّيْلِ الْأَوَّلِ وَتَلِفَ فَإِذَا نُوزِعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ مُنَازَعٌ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الذَّخِيرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَكِّي فِي الصُّورَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute