للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ، أَنْ يَصُومَ غَدًا فَيُصْبِحُ صَائِمًا، ثُمَّ يَأْكُلُ نَاسِيًا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إِنَّمَا قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ نَاسِيًا، أَيْ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا نَاسِيًا لِيَمِينِهِ، مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ - أَيْ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي التَّطَوُّعِ عَامِدًا أَوْ فِي رَمَضَانَ سَاهِيًا لِمَا جَازَ فِي ذَلِكَ - كَذَا فِي الْبَيَانِ، انْتَهَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: (وَفِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي صَوْمِ النَّفْلِ بِالْفِطْرِ إِذَا كَانَ عَمْدًا حَرَامًا، كَمَنَ شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرَ، فَإِنَّ إِتْمَامَ صَوْمِ النَّفْلِ وَاجِبٌ، وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ.

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.

وَمَذْهَبُ الْمُخَالِفِ عِنْدِي أَظْهَرُ؛ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى.

وَاحْتَرِزْ بِقَوْلِهِ: (الْعَمْدِ) مِنَ النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ، (وَبِالْحَرَامِ) مَنْ أَفْطَرَهُ لِشِدَّةِ الْجُوعِ، وَالْعَطَشِ، وَالْحَرِّ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ تَجَدُّدُ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتُهُ، وَفِطْرُهُ لِأَمْرِ وَالِدَيْهِ وَشَيْخِهِ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا: قَالَ التَّادَلِيُّ: حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ: (عَامِدًا) : حَرَامًا.

كَمَا زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: وَيَجِبُ فِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ: خَاصَّةً، وَأَرَادَ بِذَلِكَ إِخْرَاجَ مَا كَانَ عَمْدًا لِلسَّبَبِ، كَجَبْرِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ، وَالسَّيِّدِ عَبْدَهُ إِذَا تَطَوَّعَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، انْتَهَى.

وَفِي السَّفَرِ رِوَايَتَانِ:

مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ.

وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: أَنَّهُ عُذْرٌ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ.

وَكَذَلِكَ أَوْجَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ تَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ.

وَفِي الْجَلَّابِ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِسُقُوطِهِ، انْتَهَى جَمِيعُهُ مِنَ التَّوْضِيحِ.

وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ يَتَسَحَّرْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُفْطِرُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ فَإِنْ فَعَلَ قَضَاهُ، انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ الْكِتَابِ قَوْلُهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ نُفِيَ الْوُجُوبُ، وَهَلْ قَضَاؤُهُ مُسْتَحَبٌّ أَمْ لَا؟ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْبَابَ قَضَائِهِ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: فِي اسْتِحْبَابِهِ قَوْلَانِ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَكَلَ عَامِدًا أَنَّهُ يَقْضِي، وَهُوَ كَذَلِكَ.

وَقَعَ لِلْقَاضِي عِيسَى بْنِ مِسْكِينٍ الْأَفْرِيقِيِّ السَّاحِلِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقْضِي فِي قَوْلِهِ لِصَدِيقِهِ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْأَكْلِ مَعَهُ وَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ: ثَوَابُكَ فِي سُرُورِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ بِفِطْرِكَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِكَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقَضَاءٍ. فَظَاهِرُهُ نَفْيُهُ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَإِلَيْهِ كَانَ شَيْخُنَا - حَفِظَهُ اللَّهُ يَذْهَبُ، وَلَمْ يَرْتَضِ قَوْلَ عِيَاضٍ فِي مَدَارِكِهِ: قَضَاؤُهُ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِوُضُوحِهِ، انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: مَفْهُومُهُ، بَلْ صَرِيحُهُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا أَكَلَ نَاسِيًا لَا يُفْطِرُ، فَإِنْ فَعَلَ قَضَى، وَهَذَا صَرِيحٌ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا حُرِّمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ ثَانِيًا، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: الْعَمْدُ الْحَرَامُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ مُتَأَوِّلًا أَنَّهُ لَا يَقْضِي لِقَوْلِهِ: كُلُّ مَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ فِي رَمَضَانَ يَسْقِطُ الْقَضَاءَ فِي التَّطَوُّعِ، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) : وَحَيْثُ يُفْطِرُ فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ؟ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: قَوْلَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ: رَوَى ابْنُ نَافِعٍ لَا وَجْهَ لِكَفِّ مُفْطِرِهِ عَمْدًا إِلَّا لِعُذْرٍ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبَ الْكَفِّ لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى.

(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُعْمَلَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُعْمَلَ فِي صَوْمِ الْفَرِيضَةِ. أَبُو الْحَسَنِ: مِثْلُ الْحُقْنَةِ وَالسَّعُوطِ وَذَوْقِ الْمِلْحِ وَالطَّعَامِ وَمَضْغِ الْعِلْكِ وَسَائِرِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) : هُنَا لُغْزٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَنَا: صَائِمٌ مُتَطَوِّعٌ، أَفْطَرَ نَاسِيًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ مَنِ اعْتَكَفَ أَيَّامًا مُتَطَوِّعًا بِهَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ إِذَا أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهَا نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ وَيَصِلُهُ بِأَيَّامِ اعْتِكَافِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.

ص: (وَلَوْ بِطَلَاقٍ بَتَّ، كَوَالِدٍ وَشَيْخٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا) ش: الْخِلَافُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِلَوْ هُوَ مَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَجْهُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>