للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منهما للآخر، حتى قالت عائشة في الهجرة: إنه-صلى الله عليه وسلم- كان يأتيهم بكرةً وعشيةً، وقد صحح مسلم حديث: ((يؤم القومَ أقرؤُهم لكتاب الله)) (١)، وأمر-صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أن يؤم في مكانه لما مرض، فيدل على أنه كان أقرأهم، وتقدم عن عليٍّ (ابن أبي طالب) أنه على ترتيب النزول عقب موت النبي- صلى الله عليه وسلم-؛ (٢)

وأصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- من السابقين والمسارعين إلى الخير، وإلى كل عمل صالح وبر، وكان من أعظم مشاهد تنافسهم وتسابقهم إلى الخير وعلو همتهم في ذلك حفظهم القرآن الكريم، والحرص على تعلمه وتعليمه، والعمل بأحكامه.

فكان تعلمهم أولًا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ثم صار بعضهم يعلم بعضًا، فمن فاته شيء من القرآن لم يتمكن من تلقيه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، لأي سبب عارض من انشغاله بجهاد أو نحوه من أعمال البر سارع لتعلمه من غيره.

وأشتهر بتعليم القرآن من الصحابة بداية جمعٌ، من أبرزهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب-رضي الله عنهم أجمعين- -، فعلموا الكثير من صغار الصحابة، كما علموا من جاء من بعد جيل الصحابة ممن أدركهم من جيل التابعين.

وكان هذا دأب الصحابة-رضي الله عنهم- حال انتشارهم في الأمصار تعليم كتاب الله.

يقول سُوَيْدُ بْن عَبْدِالعَزِيزِ التّنوخيِّ الدِّمشقيُّ (ت: ٢٠٠ هـ) - رحمه الله -:

" كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفًا، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك".

وعن مُسْلِم بن مِشْكَم الْخُزَاعِيُّ (٣) قال:

" قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندي القرآن، فعددتهم ألفًا وستمائة ونيفًا، وكان لكل عشرة منهم مقرئ ". (٤)

والحفاظ من الصحابة جمع غفير وكثير، وهم لا يحصون كثرة، ولكن أهل العلم ذكروا أبرز الحفاظ من الصحابة، وكان ذكرهم لأبرز الحفاظ منهم على سبيل الاشتهار لا على سبيل الحصر.


(١) صحيح مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب من أحق بالإمامة رقم: ١٥٣٤
(٢) - فتح الباري لابن حجر العسقلاني (٨/ ٦٦٨).
(٣) - كان كاتب أبي الدَّرداء، وروى عن أبي الدرداء، ومعاوية، وروى عنه عبد الله بن العلاء بن زَبْر.، تُنظر ترجمته في: التهذيب (١٣٨/ ١٠) ترجمة (٢٥٤)، تقريب التهذيب (٢٤٧/ ٢)، الكاشف (٥٥٢٤/ ٣).
(٤) - معرفة القراء الكبار (ص: ٢٠).

<<  <   >  >>