للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار" ولعل كتاب "الداني"-هذا- يُعدُ من أشهر تلك المصنفات لجودته.

وقد اختلف هجاء عدد من الكلمات في المصاحف العثمانية بنقصانِ حرف أو زيادة حرف كما مر معنا بيان ذلك. وقد فُرِقت أوجه القراءات الصحيحة كلها في نسخ هذه المصاحف، والأئمة الذين كتبوا وصنفوا في هذا العلم حصروا تلك الكلمات وحددوها في سبع وثلاثين كلمة كما تقدم معنا، ومما صُنِفَ في اختلاف أوجه القراءات في المصاحف ما أملاه ابن عامر الشامي اليحصبي (ت: ١١٨ هـ) في كتابه"اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق".

ومما يجدر التنبيه إليه هنا:

أ- التنبيه إلى وجوب التمييز بين نوعين من اختلاف الكلمات في المصاحف العثمانية، فهناك بعضُ الكلمات رُسِمت بخطَّين مختلفينِ، لكن دون أن يترتب عليه اختلاف في اللفظ مثل قوله تعالى: (بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة: ٩٣)، في بعض المصاحف مقطوع، وفي بعضها (بئسما) موصول.

ب- التنبيه على أن هناك قسمٌ آخر من الاختلاف في هجاء الكلمات يشمل زيادة حرفٍ أو نقصه، مما يترتب عليه تغيير في طريقة اللفظ، وقد أثبتت المصادرُ الأولى أن هذا الاختلاف يرجعُ إلى المصاحف الأئمة التي أُرسِلت من المدينة إلى الأمصار في زمن عثمان - رضي الله عنه - أو أنها وجدت في المصاحف القديمة التي نُسِخت من تلك المصاحف المرسلة.

وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: ٨٥٢) - رحمه الله -:

والحق أن الذي جُمِع في المصحف العثماني هو المتَّفَق على إنزاله، المقطوع به، المكتوب بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - واشتمال المصحف العثماني على عدد قليل من الأحرف السبعة محمول على أنه نزل بالأمرين معًا، وأمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بكتابتِه لشخصين، أو أعلَمَ بذلك شخصًا واحدًا، وأمره بإثباتها على الوجهين.

ج- التنبيه على أن تلك الأوجه المختلفة لا يمكن جمعها في مصحف واحد على تلك الحال أبدًا، وإنه لابد من تفريقها بين مصاحف الأمصار.

فكانت هذه الأوجه التي أمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بكتابتها مما خالفت خط المصحف، علم على أن جمعها في مصحف واحد على تلك الحال غيرُ ممكن إلا بإعادة الكلمة مرَّتين، ففرقتها اللجنة في المصاحف؛ لذلك جاءت بوجه في مصحف، وبوجه آخر في مصحف آخر من المصاحف العثمانية؛ لكي تحفظها الأمة كما نزلت من عند الله - عز وجل - وعلى ما سمِعَت من

<<  <   >  >>