للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثالث: أنه مِمَّا يدل على ضعف هذا الخبر عن أُبَيٍّ ما عُلِم من أن عثمان تشدد في قبض المصاحف المخالفة لمصحفه، وتحريقها، والعادة توجب أن مصحف أُبَيٍّ كان من أول ما يُقبض، وأن تكون سرعة عثمان إلى مطالبته به أشدَّ من سرعته إلى مطالبة غيره بِمصحفه؛ لأنه كان مِمَّن شارك في ذلك الجمع. (١)

وقد صحت الرواية بِما يدل على أن عثمان قد قبض مصحف أُبَيٍّ:

فعن محمد بن أُبَيٍّ أن ناسًا من أهل العراق قدموا إليه، فقالوا: إنَّما تحمَّلْنا إليك من العراق، فأخْرِجْ لنا مصحفَ أُبَيٍّ. قال محمدٌ: قد قبضَه عثمان. قالوا: سبحان الله! أخْرِجْه لنا. قال: قد قبضَه عثمان. (٢)

الوجه الرابع: أن ما روي عن أُبَيٍّ ليس فيه أن دعاء القنوت قرآنٌ منَزَّل، وإنَّما غاية ما فيه أنه أثبته في مصحفه.

فإن صحَّ أنه أثبته في مصحفه، فلعله أثبته لأنه دعاءٌ لا استغناء عنه، وهو سنة مؤكدة يجب المواظبة عليه، وأثبته في آخر مصحفه أو تضاعيفه لأجل ذلك، لا على أنه قرآن منَزل قامت به الحجة، وقد كان الصحابة يثبتون في مصاحفهم ما ليس بقرآن من التأويل والمعاني والأدعية، اعتمادًا على أنه لا يُشكل عليهم أنَّها ليست بقرآن. (٣)

الوجه الخامس: أنه يحتمل أن يكون بعض هذا الدعاء كان قرآنًا منَزلاً، ثم نُسخ، وأُبيح الدعاء به، وخُلط به ما ليس بقرآنٍ، فكان إثبات أُبَيٍّ هذا الدعاء أولاً فنُقِل عنه. (٤).

وممن رجح النسخ السيوطي (ت: ٩١١ هـ) حيث يقول- رحمه الله -: " قال الحسين بن المنادي في كتابه " الناسخ والمنسوخ ":

" ومما رُفع رسمُه من القرآن ولم يُرفع من القلوب حفظه سورتا " القنوت في الوتر " وتُسمَّى سورتي الخلع والحفد ". (٥)

وممن رجح النسخ كذلك العلامة محمد الأمين الشنقيطي (ت: ١٣٩٣ هـ) حيث يقول- رحمه الله -:


(١) يُنظر: نكت الانتصار لنقل القرآن ص ٨٠.
(٢) - رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص ٣٢ - ٣٣.
(٣) نكت الانتصار لنقل القرآن ص ٨٠، مناهل العرفان (١/ ٢٧١)، وتأويل مشكل القرآن ص ٤٧، والبرهان في علوم القرآن (١/ ٢٥١).
(٤) مناهل العرفان (١/ ٢٧١)، ومعجم القراءات القرآنية (١/ ٢٥).
(٥) الإتقان للسيوطي: (٢/ ٦٨).

<<  <   >  >>