كتاب الشفعة بين الجمع العثماني والأحرف السبعة

من أبرز الشبهات التي أثيرت حول الجمع العثماني ما يلي - الشبهة السادسة: دعوى الطاعنين بالقول بنقص القرآن على وجه الخصوص - ص: 298

كان الناسُ يقومون أوَّلَه، وكانوا يَلْعَنونَ الكَفرةَ في النِّصفِ: … الحديث بطوله، إلى أن ذكر الدعاء بقوله: ( … اللهمَّ إيَّاك نَعبُدُ، ولك نُصلِّي ونَسجُد، وإليكَ نَسعَى ونَحفِد، ونرجو رحمتَك ربَّنا، ونخاف عذابَك الجِدَّ؛ إنَّ عذابَك لِمَن عاديتَ مُلحِق) (١).

قال ابن جريج (٢) -رحمه الله-:

حكمة البسملة أنَّهما سورتان في مصحف بعض الصحابة (٣).

فزعم بعض الطاعنين أن ما روي من إثبات أُبَيٍّ القنوت في مصحفه يطعن على جمع الصحابة للقرآن، ويدل على أنَّهم نقصوا منه، وزعموا أن اشتباه القنوت بالقرآن عند أُبَيٍّ دليلٌ على عدم اشتهار أمر القرآن وعدم انتشاره، وإمكانية التباسه بغيره من الكلام، إذ قد التبس على أُبَيِّ بن كعبٍ، مع كونه من أعلم الناس به، وأحفظهم له. (٤)

ويجاب عن هذه الشبهة بوجوه:

الوجه الأول: أن الروايات التي وردت عن أُبَيٍّ في أمر القنوت غير مسلَّم بصحتها، وهي معارَضة بِما عُرِف من فضل أُبَيٍّ، وعقله، وحسن هديه، وكثرة علمه، ومعرفته بنظم القرآن. (٥)

الوجه الثاني: أن القنوت ليس من القرآن، لأنه لو كان منه لأثبته الرَّسُول-صلى الله عليه وسلم- وأظهره. ولأن نظمه قاصر عن نظم القرآن، يعلم ذلك أهل البلاغة والفصاحة، فلعل أبيًّا إن كان قال ذلك أو كتبه في مصحفه، إنَّما قاله أو كتبه سهوًا، ثم استدرك وأثبت أنه ليس من القرآن.

وقد يعترض على هذا بأن يقال كيف يُشْكِل على أُبَيٍّ أمر هذا الدعاء، وبأنه يلزم من ذلك أنه لم يكن على معرفةٍ بوزن القرآن من غيره من الكلام.

ويجاب عن ذلك بأنه: قد يكون قد ظنَّ أن القنوت- وإن قصر عن رتبة باقي السور في الجزالة والفصاحة، إلا أنه يجوز أن يكون قرآنًا، وأنه يبعد أن يُؤتى بمثله، وإن كان غيره من القرآن أبلغ منه، كما قيل: قد يكون بعض القرآن أفصح من بعضٍ. (٦)

---

(١) - رواه ابن خزيمة: (١١٠٠)، وأصله في البخاري: (٢٠١٠)، وحسن إسناده ابن حجر: في التلخيص الحبير: (٢/ ٥١٥) وصحح إسناده الألباني في تخريجه لـ "صحيح ابن خزيمة": (٢/ ١٥٥). وهو مروي عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ- رضي الله عنه-.
(٢) - أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم. (٨٠ هـ-١٥٠ هـ) ويلقّب بابن جريج قال عبد الرزاق الصنعاني: كان له كنيتان أبو الوليد وأبو خالد، أحد العلماء الفقهاء وقرّاء القرآن ورواة الحديث عند أهل السنة والجماعة. وهو من تابعي التابعين. للاستزادة يُنظر: التاريخ الأوسط - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة (طبعة دار الوعي ومكتبة دار التراث: ج ٢ ص ٩٨)، تهذيب الأسماء واللغات - أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (طبعة شركة العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية: ج ٢ ص ٢٩٧).
(٣) يُنظر: الإتقان في علوم القرآن (١/ ١٨٥).
(٤) - يُنظر: نكت الانتصار لنقل القرآن ص ٧٩، ومناهل العرفان (١/ ٢٦٤).
(٥) - نكت الانتصار لنقل القرآن ص ٨٠.
(٦) - يُنظر: تأويل مشكل القرآن ص ٤٧، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص ٧٩ - ٨١، ومناهل العرفان (١/ ٢٧١).