للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي نحو قول السُلميّ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٥ هـ) -رحمه الله-:

والعرضة الأخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها. (١).

وإنما عنيا: -السُلميّ، وشيخ الإسلام- بقراءة زيد هنا " حرف زيد ".

والباحث: لا يعلم دليلًا صحيحًا صريحًا يدلل على أن المعارضة كانت بأكثر من حرف.

ولاشك في أن من أبين مظاهر ودواعي العرضة الأخيرة تثبيت حفظ القرآن في صدره الشريف-صلى الله عليه وسلم- وفق ما أوحاه الله إليه بواسطة جبريل، ونسخ ما أراد الله نسخه، وتثبيت ما أراد الله بقاءه. وهذا ما عليه عامة أهل العلم، ولا نعلم صوابًا سواه، وقد تكرر ذلك ليتقرر.

ولذا قال ابن قتيبة (ت: ٢٦٧ هـ) -رحمه الله-: في "تأويل مشكل القرآن":

"فيحدث الله من ذلك ما يشاء وينسخ ما يشاء، وييسر على عباده ما يشاء". (٢)

ويؤكد نفس المعنى أبو شامة في "المرشد الوجيز" فيقول -رحمه الله-:

ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على جبريل وهي التي بُيِّن فيها ما نسخ وما بقي. (٣)

والعرضة الأخيرة كانت كالعرضة من كل عام، غير أنها كانت في العام الأخير مرتين، وقد سبق معنا بيان أنها -العرضة الأخيرة- مما أستدل به النبي- صلى الله عليه وسلم- على دنوا أجله وانتهاء مهمته في الأرض.

وقد روى البخاري -رحمه الله-: بسنده في "خلق أفعال العباد" قال:

حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أي القراءتين تعدون أول؟ قلنا: قراءة عبدالله. قال: لا، إِنَّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كان يُعرَضُ عليه القرآنُ في كل رمضان مرةً إلا العام الذي قُبض فيه فإِنَّه عُرِضَ عليه القرآنُ مرتين فحَضَرَهُ عبدُالله فشهدَ ما نُسِخَ وما بُدِّلَ. (٤).


(١) - يُنظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: (١٣/ ٣٩٥).
(٢) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة: ص (٩٤)
(٣) - المرشد الوجيز، لأبي شامة: (ص: ٦٩). سبق بيان عدم ثبوت شهود زيد للعرضة الأخيرة بأدلة ثابتة صحيحة.
(٤) - يُنظر: خلق أفعال العباد، للبخاري: (٢/ ٢٠١).
وهذا الأثر أخرجه النسائي في السنن الكبرى في فضائل القرآن ٥/ ٧، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ١/ ٣٦٢، وسعيد بن منصور في سننه ١/ ٢٤٠ من طرق عن الأعمش عن أبي ظبيان به، وقال عنه الحافظ ابن حجر: إسناده صحيحٌ، ويمكن الجمع بين القولين بأن تكون العرضتان الأخيرتان وقعتا بالحرفين المذكورين (حرف زيد بن ثابت وحرف عبدالله بن مسعود) فيصح إطلاق الآخرية على كل منهما. يُنظر: فتح الباري: (٩/ ٤٥).

<<  <   >  >>