للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سبق معنا التحقق من تدليس الأعمش إذا عنعن، وقد عنعن هنا، وبعد تتبع طرق هذا الأثر تبين ضعفه، ولكن له طرق أخرى يتقوى بها ويشهد لذلك تصحيح الحافظ ابن حجر في "الفتح" بقوله: إسناده صحيحٌ. (١)

ولذا يقول ابن مسعود عن نفسه: "لو أعلمُ أحدًا أعلمَ بالعرْضة الأخيرة منِّي لأتيتُه. (٢)

إن ثبت هذا الأثر، فلا شك إنه إن دل على شيء فإنما يدل على حرصه واجتهاده- رضي الله عنه- ولما يعلم هو من نفسه.

لما لا وقد قال عليه الصلاة والسلام -: (خُذوا القرآنَ من أربعة: مِن ابن أمِّ عبد … )، فبدأ به. (٣)

وفي نحو ذلك يقول أبو عمرو الداني (ت: ٤٤٤ هـ) -رحمه الله- في " أرجوزته المنبهة":

وعن نبي الله قد أتانا … بأنه قال خذوا القرانا

من نفر أربعة قراء … من ابن مسعود أخي العلياء

ومن أُبَيّ ومعاذ بن جبل … وسالم يَهْنِيهِمُ هذا المحل

إذ خصهم نبيهم بذاكا … ولم يسم غيرهم إذ ذاكا

وليس من أصحابه إنسان … إلا وقد فضله الرحمن

وكلهم أئمة في الدين … وفي الكتاب المنزل المبين (٤)

وأخيرًا: المصحف الإمام وموافقته للعرضة الأخيرة

يجب أن يُعْلَمَ أن استقرار أمر المصحف الإمام على موافقة العرضة الأخيرة:

١ - كان عن علم وإجماع من الصحابة- رضي الله عنهم- وأرضاهم أجمعين-.

٢ - وإن البعض منهم كان له مصحفه الخاص به، ومصاحفهم الخاصة هي تلك المصاحف التي كتبوها، أو كُتِبَتْ لهم، قبل أن يجمع عثمانُ الناسَ على المصحف الإمام، وإذا كانت خاصة فلابد وأنها غير متطابقة تمام التطابق مع المصحف الإمام، فالقرآن المنزل كان محلا للنسخ، هذا من


(١) - و طريق أبي ظبيان، يرويه عنه الأعمش. أخرجه المصنف هنا من طريق أبي معاوية عن الأعمش. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (٢/ ٣٤٢، وابن أبي شيبة في "المصنف" (١٠/ ٥٥٩ رقم ١٠٣٣٧)، والبخاري في "خلق أفعال العباد" (ص ١٢٢ رقم ٣٨٢)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (٤/ ١٩٦)، وابن عساكر في "تاريخه" (٣٩/ ٩١).
وهو مروي كذلك من طريق مجاهد، عن ابن عباس، ومن طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، والحديث يتقوى بمجموع هذه الطرق والله أعلم
(٢) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (١/ ٢٨٠)، وذكره أبو عبدالله في إيضاح القراءات (١٠/ ب).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: مناقب الأنصار، باب: مناقب أُبي بن كعب (٧٧٩) رقم الحديث (٣٨٠٨)، والترمذي في جامعه، كتاب المناقب، باب: مناقب عبدالله بن مسعود (٨٦٤) برقم (٣٨١٠)، وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد في مسنده (٢/ ١٦٣).
(٤) - الأرجوزة المنبهة، لأبي عمرو الداني: (ص: ٨).

<<  <   >  >>