للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يقرر -رحمه الله- ويقول:

ثم إن عدم بقاء المصاحف العثمانية قاطبة لا يضرنا شيئًا، ما دام المعول عليه هو النقل والتلقي ثقة عن ثقة، وإمامًا عن إمام، إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، وذلك متواتر مستفيض على أكمل وجه في القرآن حتى الآن.

على أن المصاحف العثمانية نسخت على غرارها الآلاف المؤلفة في كل عصر ومصر، مع المحافظة على الرسم العثماني. (١)

و" مسألة مصير المصاحف العثمانية الأصلية، وهل من المحتمل أن يكون قد بقي منها شيء: هي مسألة تاريخية كبيرة، ليس من اليسير - هنا - الإلمام بكل جوانبها، ونكتفي بالإشارة إلى أن العلماء قد رووا- في وقت مبكر - ذهاب تلك المصاحف، ولا شك أن من روى ذلك كانت روايته بقدر ما عرفه، ولا ينفي أن تكون المصاحف العثمانية قد بقيت لعدة قرون بعد ذلك:

فبينما نجد الإمام مالك بن أنس (ت: ١٧٩ هـ) يسأله ابن وهب عن مصحف عثمان-رضي الله عنه-، فيقول: بأنه ذهب، نجده يخرج لهم مصحفًا قديمًا كان قد كتبه جده إذ كتب عثمان المصاحف.

ويُروى أن أبا عبيد قال: إنه رأى الإمام- مصحف عثمان-، استخرج له من بعض خزائن الأمراء، وأنه رأى فيه أثر دمه.

ويشير الداني (ت: ٤٤٤ هـ) كثيرًا إلى تتبعه بعض الحروف في المصاحف العتق، فيقول- مثلا - إنه رأى مصحفًا جامعًا عتيقًا كتب في أول خلافة هشام بن عبد الملك سنة عشر ومائة كان تاريخه في آخره.

كذلك يَروي ابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ) وابن الجزري (ت: ٨٣٣ هـ) أنهما رأيا بعض المصاحف القديمة المكتوبة على الرق في جامع دمشق وفي مصر كذلك.

فهذه الروايات تشير إلى احتمال أن تكون المصاحف العثمانية الأصلية قد ظلت موجودة دهرًا طويلًا في المساجد الجامعة، خاصة إذا تصورنا ما حظيت به تلك المصاحف من الرعاية والاحترام، فهي المصاحف الأئمة التي نسخ الناس عنها مصاحفهم في الأمصار بعد إجماع الأمة على المصاحف التي نسخت في خلافة عثمان- رضي الله عنه-.

ومن الملاحظ أن أئمة رواية الرسم كثيرًا ما يقولون إنهم رأوا كلمة معينة في المصحف الإمام-مصحف عثمان-، كالذي يروى عن أبي عبيد، وعاصم الجحدري، ويحيى بن الحارث، وأبي حاتم، ولعل كلمة المصحف الإمام كانت تشمل جميع المصاحف التي كتبت بأمر عثمان- رضي


(١) - المرجع السابق نفسه: (١/ ٤٠٥).

<<  <   >  >>