للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يخفى على أحد أن مرسوم القواعد الإملائية عرضة للتغير من زمان لآخر، بل ومن مكان لآخر- كذلك-. فلو أخضع الرسم الهجائي للقرآن لتلك القواعد الإملائية لأصبح القرآن عرضة للتحريف والتغير والتبديل.

٤ - إن الرسم المصحفي لا يُوقع الناس في الحيرة والالتباس أبدًا؛ لأنه ثابت لا يتغير ولا يؤثر في تغيره زمان ولا مكان، والمصاحف التي بين أيدي الناس الآن مطبوعة وظاهرة وجلية للناظرين،

وهي الآن أمام أعينهم على أوضح صورة، وقد كُتِبَتْ مشكلة و منقوطة لا التباس فيها؛ وقد وضعت فيها علامات واضحة المعالم تدل على الحروف الزائدة، أو الملحقة بدلًا عن الحروف المحذوفة، فالوقوع في الاضطراب والالتباس والحيرة أمر غير واقع ولا متوقع البتة لمن تعلم القرآن، ويكفينا في ذلك قول ربنا: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر: ١٧).

قال ابن كثير (ت: ٧٧٤) -رحمه الله-:

أَيْ: سَهَّلْنَا لَفْظَهُ، وَيَسَّرْنَا مَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَهُ، لِيَتَذَكَّرَ النَّاسُ (١).

٥ - وبإجابة أهل هذا الرأي يُفتح على الأمة بابُ شر وفتنة لا يعلم قدرها إلا منزل الكتاب وهازم الأحزاب، وأكبر شاهد على ذلك تلك الفتنة التي كادت أن تحدث في صدر الإسلام في اختلاف أوجه القراءة، فأخمدها الله بثالث الخلفاء الحنفاء رضي الله عنهم أجمعين، فقام لله ووقف موقف الجبال الراسيات ليرد الأمة لرشدها ويجمعها على كتاب ربها بـ" مصحف إمام".

٦ - وهذه الدعوات وأمثالها تفتح أمام أعين أعداء الملة بابًا يلجون منه لينالوا من القرآن طعنًا وتشكيكًا، فإذا كان هناك رسم وهجاء عثماني وآخر إملائي يتمايز أحدهما عن الآخر قالوا أيهما الصحيح الذي أُنْزِلَ من السماء؟!، ولا شك أن في هذا من المفاسد ما لا يخفى.

٧ - ومما يؤكد ما سبق ذكره من جواب أهل هذا الرأي ما حدث منذ سنوات من كتابة القرآن لا أقول بالرسم الإملائي بل باللغة الإنجليزية بزعم تسهيل تلاوته على الناطقين بالإنجليزية من غير العرب، بحيث يتلوه بحروف اللغة الإنجليزية فيُقرا وكانه منطوق بالعربية.

هذا- ولقد ظهر في غينيا رجل مسلم له نشاط غريب في هذا الميدان، كان يقوم ولا يزال بكتابة القرآن بالحروف اللاتينية! بعد أن وجد هناك في إفريقية سوقًا رائجة لما يكتب، ويقوم اليوم في باريس ناشر مسلم بطبع كتبه تلك وعرضها في الأسواق في رداءة طبع، وإخراج فني ممجوج!


(١) - تفسير ابن كثير: (٧/ ٤٧٨).

<<  <   >  >>