للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن الجزري (ت: ٨٣٣ هـ) -رحمه الله- في "النشر: "

فإن كلام الله تعالى يقرأ بالتحقيق وبالحدر وبالتدوير الذي هو التوسط بين الحالتين مرتلاً مجودًا بلحون العرب وأصواتها وتحسين اللفظ والصوت بحسب الاستطاعة … ثم شرع في الكلام على كل مرتبة على حدة الى أن قال: عن التحقيق: وهو نوع من الترتيل … وقال أيضًا: فالتحقيق داخل في الترتيل كما قدمنا والله أعلم. (١)

والخلاصة

أن كلّ من يقرأ بهذه المراتب الثلاث هو في الحقيقة مرتلٌ للقرآن كما أمر الله، ما دم يقرأه كما أمره الله بأحكامه التي أُخِذَت مشافهة ونقلت بالتواتر، وهو في ذلك مؤتمرٌ بقوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) (المزمل: ٤)، فالمراتب الثلاث الأخرى يقرأ فيها القارئ بأحكام التجويد، غير أنها تتباين فيما بينها حسب حال القارئ والمقام المقتضي للقراءة سرعة وبطأ. فقد يكون القارئ في موطن يريد فيه أن يسرع شيئًا ما، كمن يريد المراجعة وضبط المحفوظ مثلًا، أو أن يكون في صلاة التهجد في رمضان أو غيره فيُسرع مع إعطاء الحروف حقها ومستحقها، وفي موطن آخر يريد فيه أن يبطئ شيئًا ما، كمن يقرأ بتدبر وتمعن في معاني الآيات التي يتلوها، وقد يكون في مقام التعليم والتلقين

فيحتاج لبطء القراءة أكثر ليجلي صفات الحروف ومخارجها وحركاتها وأحكام التلاوة للمتعلمين بصورة جلية فيقرأ بمرتبة التحقيق، وقد يريد القارئ أن يقرأ لنفسه فيكون أسرع قليلًا وهكذا.

يقول أبو عمرو الداني (ت: ٤٤٤ هـ) -رحمه الله- في "التحديد":

الترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط، والتحقيق لرياضة الألسن وترقيق الألفاظ الغليظة وإقامة القراءة وإعطاء كل حرف حقه. (٢)

ففي هذه المراتب كلها يقرأ القارئ بتؤدة واطمئنان، مسرعًا كان، أو متوسطًا في سرعته في التلاوة، أو كان يقرأ بين ذلك، وهذا يعتمد على المقام الذي يقرأ فيه (٣)، كما يعتمد على مهارة القارئ ورياضة لسانه وكثرة دربته وتمرسه مع القراءة، وجميع تلك المراتب يجب أن يعتني فيها القارئ بأحكام التجويد.

فمراتب القراءة إذًا تعود في هذه المسألة حسب المصلحة الشرعية لما يتلوه القارئ.


(١) النشر في القراءات العشر، لابن الجزري (١/ ٢٠٥).
(٢) - يُنظر: التحديد للداني، ص ٧٢
(٣) - يعني تعليمًا، أو تلاوة مراجعة لضبط المحفوظ، أو قراءة يحتاج فيها لإسراع في القراءة لكثرة ما يقرأه كحال القيام في رمضان وغيره- ونحو ذلك من المقامات والأحوال التي يتعرض لها القارئ.

<<  <   >  >>