للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا تبين لنا ذلك، عُلِمَ حرمة وخطورة تعلم "المقامات الموسيقية" ومن ثم حرمة قراءة القرآن الذي هو كلام الرحمن على مقامات "الشيطان".

وإنما وَهِمَ من وَهِمَ وأخطأ من أخطأ وزل من زل في هذا الباب غالبًا بسبب سوء فهمه للألفاظ التي استعملها بعض أهل العلم، كالترنيم والتغني والتطريب ونحو ذلك من الألفاظ، والتي عَرَّفَهَا أهل العلم وفق ما دلت عليه لغة العرب

وفي هذا الصدد يقول ابن جرير الطبري (ت: ٣١٠ هـ) -رحمه الله-:

معنى الحديث تحسين الصوت والغناء المعقول الذي هو تحزين القارئ سامع صوته، كما أن الغناء بالشعر هو الغناء المعقول الذي يطرب سامعه .. (١)

وقال الحافظ ابن حجر (ت: ٨٥٢ هـ) -رحمه الله-:

يحسن به صوته جاهرًا به مترنمًا على طريق التحزن … ولا شك أن النفوس تميل إلى القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم. لأن للتطريب تأثيرًا في رقة القلب وإجراء الدمع. (٢)

فابن جرير قد فسر" التغني" بالغناء، وابن حجر قد فسر حسن الصوت بـ "الترنم" و" التطريب" وإنما كان ذلك كله وفق ما دلت عليه اللغة.

غير إن المخالفين قد حملوه هذه الألفاظ وأمثالها على المعنى العامي الشائع والدارج في استعمال الناس له، ولو أنهم رجعوا إلى ما دلت عليه تلك الألفاظ من معاني في لغة العرب، أظن لانتهى بهم المطاف وظهر لهم الحق جليًا، إن كانوا ممن يبحث عن الحق ويتجرد عن الهوى.

يقظة السلف لمثل هذا مبكرًا:

ومن أجل هذا وأمثاله ورد النهي عن بعض السلف التحديث ببعض هذه الأحاديث التي فيها الترغيب في التغني بالقرآن وتحسين الصوت به خشية أن تحمل تلك النصوص على غير المراد منها، كالذي نحن بصدده من حمل تلك الألفاظ على جواز تعاطي تلك الألحان الموسومة بـ" المقامات الموسيقية" التي هي من خصائص أهل الفسق والخنا ممن يتعاطون الغناء الفاحش المقرون بالمعازف.


(١) - شرح ابن بطال (١٠/ ٢٦٠)، زاد المعاد (١/ ٤٨٦).
(٢) فتح الباري (٩/ ٧٢).

<<  <   >  >>