للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى لو قرأَ القرآنَ مراتٍ عديدة، فإنَّ السماعَ والعَرْضَ لا يكفِيانِ في صِحَّةِ أداءِ القرآنِ بعد زمانِ شُيوعِ اللَّحْن، بل لا بُدَّ معهما من إجازةٍ وإذنٍ بالقراءةِ والإقراءِ، وذلك لأنَّ الطالبَ قد يقرأُ القرآنَ كلَّه على شيخِه مِرارًا ولا يُتقِنُ الأداءَ فلا يُجيزُه الشيخ، ومِن ذلك ما ذكرَه ابنُ الجزريِّ -رحمه اللهُ تعالى- عن الإمامِ أحمدَ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ الهاشميِّ (ت ٦٤٦ هـ) أنَّه قرأ عليه أبو جعفرٍ بنُ الزبيرِ روايةَ ورشٍ عِدَّةَ خَتَمات، قال: ولم يُجِزْني، وقرأ عليه بعضُ أَتْرابي وأجازَ له.

ومِن هنا: كان بعضُ السَّلفِ رحمَهم اللهُ يَطلُبون من بعضِ تلاميذِهم إِعادةَ قراءةِ القرآن مرَّاتٍ عديدةٍ حتى يَستوثِقوا مِن إتقانِهم.

فمِن ذلك: أنَّ مجاهدَ بنَ جَبْرٍ المكِّيَّ قرأ على ابنِ عبَّاسٍ ثلاثينَ ختمة يستوقفه عند كل آيةٍ يسأله عنها. (١)

ومِن ذلك: أنَّ الإمامَ أبا جعفرٍ عرَضَ القرآنَ على مولاه عبدِ اللهِ بنِ عيَّاش، وعلى عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ، وعلى أبي هريرةَ رضي الله عنهما.

ومِن ذلك: أنَّ الإمامَ نافعَ بنَ أبي نُعيَمٍ قال: قرأتُ على سبعينَ مِن التابعِين. (٢)

فإذا أجاز الشيخ المُجِيزُ القارئَ إجازةً صحيحةُ بشرطها المعتبر عند أهل البحث والنظر فقد اتصل سنده بتلك الإجازة بإسناد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح ضمن سلسلة الناقلين للقرآن الكريم بالسند الصحيح الثابت بالنقل المتواتر المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أصبح بذلك أهلًا لإجازة غيره.

وضابط شرط الإجازة لمن يُسجل له القرآن أن يكون مجازًا من أئمة عصره ومصره الأثبات لأمور من أهمها ما يلي:

١ - لضمان عدم التساهل في الإجازة التي حدثت في الأزمنة المتأخرة

٢ - لزيادة تحقق الاستيثاق من هذه الإجازة، وذلك لاشتهار أئمة كل عصره ومصر بين أهل زمانهم وظهورهم وبروزهم فيهم فلا ينسب إليهم إجازة من لم يجيزوه

٣ - لدفع القراء لطلب للإتقان وطلب علو الإسناد والأخذ والتلقي عن الأكابر للتأهل قبل التصدر.

الإجازة سنة متبعة

وقد زكى النبي - صلى الله عليه وسلم - جمعًا من أصحابه ممن تلقوا عنه وأتقنوا قراءة القرآن.


(١) (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ ٦ صـ ١٩)، (والجرح) ٨/ ٣١٩، (والحلية) ٣/ ٢٨٠، (وتهذيب الأسماء) ٢/ ٨٣، (وتهذيب الكمال (٣/ ١٣٠٥، (والعبر) ١/ ٩٥)
(٢) -المعايير العلمية لتعليم القرآن الكريم في مجال الإجازة القرآنية بالسند المتصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، المجلس العالمي لشيوخ الإقراء، بتاريخ: ٢٥ ربيع الآخر ١٤٤٠ هـ.

<<  <   >  >>