للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هنا يتبين أن القرآن والقراءات متغايرا المعنى، وإن كانا كليهما منزل من عند الله، فالمنزل وإن كان واحدًا، إلا أن طريقة النطق به مختلفة، فهما إذًا حقيقتان لكنهما متغايرتان، فالاختلاف في

طريقة أداء النطق بألفاظ القرآن لا يعني الاختلاف في ثبوت الكلام نفسه، بل هما شيئان متغايران مختلفان. وقد قرر هذا المعنى وأشار إليه غير واحد من الأئمة.

قال الزركشي رحمه الله (ت: ٧٩٤ هـ) - رحمه الله - في "البرهان":

اعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما. (١)

وقال أحمد بن البنا الدمياطي رحمه الله (ت: ١١١٧ هـ) - رحمه الله - في "الإتحاف":

القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل للإعجاز والبيان، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف، أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما. (٢)

فالقرآن هو الوحي المنزل من عند الله، والقراءات هي اختلاف نطق ألفاظ هذا الوحي المنزل، فطريقة نطق هذ الوحي المنزل من عند الله مختلفة، فهما إذاً حقيقتان متغايرتان.

وهذا المعنى لا يعني أن الأحرف السبعة لبشر فيها أي إنشاء، فالأحرف السبعة كلها وحيٌ تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام.

فإن قيل إن القراءات تتعلق باللفظ لا بالتركيب، قيل بأن المقروء حاكم وقاض على المرسوم وكله وحيٌ منزل.

وفي نحو ذلك يقول أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: (ت: ٤٤٤ هـ) - رحمه الله -:

جميع هذه السبعة أحرف قد كانت ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبطتها الأمة على اختلافها عنه، وتلقيها منه. (٣)

وعن تواتر القرآن يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٥ هـ) - رحمه الله -: والقرآن الذي بين لوحي المصحف متواتر؛ فإن هذه المصاحف المكتوبة اتفق عليها الصحابة، ونقلوها قرآنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي متواترة من عهد الصحابة، نعلم علمًا ضروريًا أنها ما غيرت، والقراءة المعروفة عن السلف الموافقة للمصحف تجوز القراءة بها بلا نزاع بين الأئمة. (٤)


(١) -البرهان، للزركشي: (١/ ٣١٨).
(٢) -الإتحاف، لابن البنا: (١/ ٦٩).
(٣) - جامع البيان، لأبي عمرو الداني: (١/ ٦٧).
(٤) مجموعة الفتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية: (١٢/ ٥٦٩)

<<  <   >  >>