للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رضي الله عنه إلى الأمصار، ويترتب على ذلك الجزم بعدم احتواء جمع الصديق رضي الله عنه للأحرف السبعة، والباحث في حدود بحثه لا يعلم عن أحد من السلف قال خلاف هذا القول. والله أعلم. (١)

ب- الجمع العثماني:

أولًا: إذا كان مقصود الجمع البكري هو جمع ما تفرق من القرآن في مصحف واحد، فإن الجمع العثماني لم يكن كذلك، وذلك لأن الباعث في الجمع العثماني قد اختلف عن الباعث في الجمع البكري تمامًا.

ثانيًا: كان مقصود الجمع العثماني جمع الأمة على مصحف واحد إمام لنزع فتيل الفتنة التي كادت أن تقع بين بعض القراء في الفتوحات الإسلامية، وقد دخل في الإسلام فئام من البشر لا يعلمون أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وأن أي حرف قرئ به فهو شاف كاف.

فكان الجمع العثماني على مصحف واحد خشية الاختلاف، ولذا فقد تم إحراق ما سواه من المصاحف التي في أيدي الناس، وجمعهم على مصحف واحد إمام

حسمًا لمادة النزاع.

ثم نسخ بعد ذلك من المصحف الإمام نسخًا عدة بُعِثَ بها إلى الأمصار (٢)، ولم يحذف منها أي شيء، ولكن أثبت في بعضها بعض الاختلافات الواردة في الأحرف السبعة، وذلك وفق قراءة أهل كل مصر من الأمصار التي بعث عثمان إليها المصاحف، وقد أرسل مع كل مصحف قارئًا ممن توافق قراءته في الأكثر الأغلب، على أن يقرأ بنفس القراءة التي في المصحف الذي بين يديه، مع أن هذه القراءة قد تخالف ما ذاع وانتشر في مصر آخر من الأمصار التي بعث عثمان فيها المصاحف عن طريق مبعوث بمصحف آخر مغاير لها في المرسوم.

ثالثًا: لقد اشتمل الجمع العثماني على ما لم تنسخ تلاوته وأهمل ما نسخ منها،


(١) - وثبوت الأحرف السبعة في هذا الجمع محل خلاف عند أهل التحقيق، وهو كذلك في مصحف عثمان، ويحتاج لدراسة متأنية وتحقيق وتدقيق وطول تأمل وإمعان نظر فيما كان عليه رسم هذا المصحف، وهل رسم محتملا لتك الأحرف السبعة كالمصاحف العثمانية التي نسخت عن المصحف الإمام وبعث بها عثمان إلى الأمصار وبعث مع كل مصحفٍ قارئًا يقرئ بما يحمله من رسم على الأغلب، وإن استفاضة القول بأن مصحف أبي بكر رضي الله عنه اشتمل على الأحرف السبعة وتلقي العلماء له بالقبول لا تكفي للجزم والقطع ولكنها تكفي للظن الراجح
والظن الراجح كما يُقال -عند بعض أهل العلم- كاف في مثل هذه القضايا والمسائل، والله تعالى أعلم.
وقد سبق معنا مرارًا القول بالأولى أن يقال:
جامعة للعرضة الأخيرة، ويلغى التقييد بِما يحتمله رسم المصاحف، إذ قد علمنا أن الصحابة رضي الله عنهم قد كتبوا مصاحف متعددة، وفاوتوا بينها ليحتمل البعض منها من أوجه القراءة ما لا يحتمله البعض الآخر. الباحث.
وللاستزادة يُنظر: عرفة بن طنطاوي، دلائل التوفيق لأصح طريق لجمع الصديق: (ص: ٥٨)، بحث منشور في مجلة البحوث الشرعية - مجلة محكمة-، العدد الثالث عشر بعد المائة، تاريخ النشر: جمادى الأولى ١٤٤٢ هـ.
(٢) - وقد مر معنا مرارًا ذكر الخلاف المشهور في عددها.

<<  <   >  >>