للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطيب منها فهذبتها وصقلتها، ثم استعملها القرآن الكريم؛ لذا يصح أن يقال إن القرآن أنزل على لسان قريش، أي على سياستها (١). (٢)

خامسًا: جمع الصديق رضي الله عنه لم يتضمن نوع الزام للمسلمين وحملهم على هذا الجمع ولزومه، ولذا كان بعض من لم يشهد العرضة الأخيرة من الصحابة لا يعلم بنسخ بعض الآيات، فكان يقرأ ببعض ما نُسخ من القرآن مما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون علمه بالنسخ المتأخر الذي استقرت عليه العرضة الأخيرة.

سادسًا: وجمع الصديق رضي الله عنه يصعب الجزم والقطع بأنه اشتمل على الأحرف السبعة، ومما يدلل حتمًا على ذلك أن هناك كلمات لا يكفي فيها الكتابة وحدها، إذ لابد فيها من الجمع بين الكتابة وطريقة النطق الصحيحة بها، ولا مجال لذلك البتة إلا بالصوت، ولنأخذ على سبيل المثال كلمة "الصراط" والتي قد كتبت في جميع المصاحف بالصاد، وقد قرئت بـ "الزاي" إشمامًا، أي بإشمام الصاد زايًا، وقد قرأ بها خلف عن حمزة، فالمعتمد فيها على الصوت نطقًا لا على المرسوم خطًا، وقل كذلك أيضًا في الإمالة والتقليل والإدغام وما شابه ذلك مما لا يمكن ضبطه إلا بالنقل والضبط الصوتي، ولاشك أن هذه الأمور لم ينقل ولم يحفظ أن جمع الصديق قد حواها، ومن ادعى غير ذلك فليأت ببرهان ساطع ودليل قاطع.

وأقصى ما يُقال في ذلك أن جمع الصديق رضي الله عنه لم يهمل وجوه القراءة وفق الرسم، وذلك لأن جمعه لم يكن بواسطة المكتوب في السطور فحسب، بل كان معتمدًا كذلك على مطابقته لما هو محفوظ في الصدور، ذلك لأنَّ الأصل في قراءة القرآن نقله وتلقيه بالمشافهة، ولا يفهم من هذا

أن جمعه كان محتملًا لوجه واحد من الرسم فيكون قد أهمل إعمال وجوه القراءة الأخرى التي يحتملها الرسم؛ فإن مثل هذا لا يُنقل إلا عن طريق التلقي والمشافهة لا عن طريق الرسم المكتوب، ذلك لأن أخذ القراءة بالتلقي والمشافهة قاض على الرسم، ولذا فإن الصحابة حين كتابة الصحف لم يعتبروا اختلاف الرسم بل اعتبروا القراءة أولًا وجعلها قاضية وحاكمة على الرسم وذلك باعتبار أنها الأصل والرسم تابع لها.

والقول بثبوت الأحرف السبعة في الصحف البكرية قول يفتقر لحُجّة واضحة قاطعة ودليل ثابت صحيح يُعتمد عليه، لأن مثل هذه الدعوى لا يمكن قبولها أبدًا إلا بنقل ثابت صحيح يصلح للاحتجاج، إذ يلزم من هذا القول أن تكون الصحف البكرية قد كتبت جمعًا بين الأحرف السبعة في الرسم في المصحف الواحد وهو أمر محال، إذ يلزم بثبوتها في الصحف البكرية تكرار كتابة الكلمات التي فيها اختلاف في أوجه القراءة على غرار كتابة المصاحف العثمانية التي بعثها عثمان


(١) - أي لغتها.
(٢) مناهل العرفان: (١/ ١٣٥).

<<  <   >  >>