الفكرية، ولاسيّما في الموقف من الدين، ولاسيّما ما يفيد في هذا المبحث، حيث تُدرس تلك النتائج من جانب آخر، وذلك بالنظر لها في صورتها المنهجية، ذات الأصول والفروع والآثار، وتحليل هذا المنهج ونقده. فماذا أفاد العرض التاريخي؟
إن أهم ما كشفه هذا العرض أن تعامل الاتجاه العلماني في الغرب -قدوة التغريبيين- مع الأمور العقدية، وانحرافهم فيها، جاء غالبه من باب العلوم الطبيعية ونظرياتها، أما مع الأمور الشرعية؛ فقد جاء من باب العلوم الاجتماعية ونظرياتها، وقد اكتفى الباحث من العلوم الاجتماعية بالعلمين المهمين منهما داخل فلسفة العلم المعاصرة وهما: علم الاجتماع وعلم النفس.
[الغيب مع الطبيعيات والشريعة مع الاجتماعيات]
بالاطلاع على الفكر التغريبي ومصادره الغربية نجد مجموعة من المبادئ والأصول التي توجه التغريب في باب الشريعة، وتأتي غالبًا ضمن العلوم الاجتماعية المعلمنة.
لقد جاءت مشكلات العلوم الطبيعية مع القضايا الاعتقادية الخبرية، حيث راجت نظرياتها عن بداية العالم ونشوء الكون وأصل الإنسان والإيمان بالمخلوقات الغيبية كالملائكة والجن وآيات الأنبياء والوحي وغيرها من القضايا الخبرية، ويغلب على ما قُدِّمَ باسم العلم مما فيه تعارض مع الدين أمران:
فإما أنه صريح في المعارضة فهو من باب الظنيات، قال -تعالى-: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (٢٨)} [النجم: ٢٨]، وقال -تعالى-: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (١١٦)} [الأنعام: ١١٦] وقال -تعالى-: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨)} [الأنعام: ١٤٨]. ومؤكد من وجهة نظر المسلم أنها "أكاذيب من مرضى القلوب، أو أوهام أو أخطاء من الباحثين العلميين"، وقد عرف المسلم ذلك من الوحي الذي بين يديه، وإن لم يكن ملمًا بتفاصيل تلك العلوم.