إطارين "الدين" و"العلم" أو بين منهجين "الخبر" و"الحس" أو بين مرجعيتين "النص" و"التاريخ".
خامسًا: التفسير العلمي للنصوص الدينية:
مما يقلب الدعوى إلى نقيضها ما ظهر من صنوف التفسير العلمي للنصوص الشرعية فضلًا عن جهود لدراسة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، لتُثبت بأن العلم لا يعارض الوحي، بل إن الوحي قد سبقت فيه إشارة أو نص إلى موضوعات ما عرفها البشر إلا في العصور المتأخرة، ليقيم الله سبحانه حجته على خلقه بما برعوا فيه، فإن كان العرب قد برعوا في اللسان فقد نزل عليهم الوحي بإعجازه البياني، وإذا كان الناس اليوم قد برعوا في العلوم، فقد جاء الوحي بما يدل أنه من خبر السماء عندما رجعوا إلى نصوص تتعلق ببعض المكتشفات الحديثة، قال -تعالى-: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا في الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)} [فصلت: ٥٣]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "على كون القرآن حقًا منزلًا من عند الله، -عَزَّ وَجَلَّ-، على رسوله - صلى الله عليه وسلم -"(١).
يتفق هذا الوضع الجديد مع مبدأ من مبادئ الباحث وهو: أن البشر كلما اجتهدوا للبحث عن الحقائق بعقولهم أو علومهم، فإن ما يصلون إليه من حقائق لا يعارض الوحي إن لم يجدوا في الوحي ما يدل عليه، وأن البشر كلما بلغ بحثهم عن الحقيقة قوةً وإتقانًا ووضوحًا، فإنهم يقتربون أكثر من حقيقة الوحي في أموره الكونية والخلقية.
وإن هناك لدلالة مهمة فيما أبداه أهل التفسير العلمي للنصوص الشرعية أو أهل الإعجاز العلمي أو أهل التأصيل الإسلامي للعلوم، هذه الدلالة تؤكد بأن دين الإسلام لا يمكن بحال من الأحوال أن يتعارض مع العلوم الصحيحة، لا شك بوجود مشاكل في هذا النوع من النشاط، وهناك أخطاء، وهناك تجاوزات، يرجع الكثير منها بسبب دخول أناس إلى هذا الميدان وهم ليسوا أهلًا لذلك، إما
(١) انظر: تفسير ابن كثير ص ١١٧٧، وقد عرض الدكتور كارم السيد ذاك النشاط الكبير للتفسير العلمي في كتابه: الإشارات العلمية في القرآن الكريم ص ٣٤ وما بعدها، وانظر حول تقييم هذا النشاط: التفسير العلمي للقرآن في الميزان، أحمد أبو حجر.