للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المثال الثالث: حسن حنفي]

في هذا السياق يأتي نموذج فكري منخرط في الرؤى العلمانية الحديثة، ومتزعم لمنهجيات معاصرة ينظر من خلالها للإسلام والقرآن وأمور الدين وأمور الواقع، ومن ذلك نظرته للغيب، ويرجع ذلك إلى التجديد المطلوب، ومن طرق التجديد التي سلكها ثلاث طرق (١)، أولها منطق التجديد اللغوي، ويقوم على تغيير هذه اللغة التي غلب عليها الطابع الديني إلى لغة هي في النهاية لغة تستبعد كل العقائد، ومن ذلك الغيب.

فمن شرط اللغة الجديدة المجددة أن يكون "لها ما يقابلها في الحس والمشاهدة والتجربة حتى يمكن ضبط معانيها والرجوع إلى واقع واحد يكون محكًا للمعاني ومرجعًا إذا تضاربت وتعارضت. فألفاظ الجن والملائكة والشياطين بل والخلق والبعث والقيامة كلها ألفاظ تجاوز الحس والمشاهدة، ولا يمكن استعمالها لأنها لا تشير إلى واقع، ولا يقبلها كل الناس، ولا تؤدي دور الإيصال"، وذكر ألفاظ الصفات الخبرية وأدخل فيها ما ليس منها، ثم ذكر السمعيات مثل الميزان والصراط وأمور الآخرة، فهي لا تدل على معانٍ حسية (٢).

ومن الثابت أن أغلب أمور الغيب هي مما لا ينطبق عليها معياره الحسي والتجريبي، وهذا يعني إقصاء كل هذه الكلمات، أو تعبئتها بأمور محسوسة، وهذا في حقيقته هو من إنكار الغيب والتكذيب به، وغالبه مما يدخل في أصل فاسد معروف في القديم والحديث، وهو أن ما لا يحس لا نؤمن به، وسيأتي الجواب عليه في فقرة قادمة بإذن الله.

المثال الرابع: محمَّد أركون:

يدرس أركون الأصول الغيبية ضمن مفاهيم أخذها من المخزون العلماني الغربي الحديث، مثل: الأسطورة، اللامفكر فيه، الدوغمائية، العجيب الخلاب، التعالي، المقدس، وغيرها من المفاهيم، ويصل من خلالها لتأكيد ما هو من المسلمات عنده حول الغيب الديني؛ وهو الإنكار له. ودراسته تهتم فقط بكيفية


(١) التراث والتجديد، حسن حنفي ص ١٠٩.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ١٢١ ص ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>