[الفرق بين أسباب تقدم العلم وبين أسباب الانحراف به وأهمية بحثها]
من المهم في هذا المبحث التفريق بين التقدم العلمي وتطوره من جهة، وبين الانحراف العلمي أو الانحراف بالعلم من جهة أخرى، فلهذا أسبابه ولذاك أسبابه، وقد تشترك بعض الأسباب بحيث تكون سببًا في تقدم العلم في حال، ثم تنقلب إلى سبب في انحرافه في حال أخرى، ومن ذلك مثلًا أهمية الحرية للنشاط العلمي وتطوره وتقدمه، إلا أنه عندما يقع الغلوّ في تلك الحرية أو التعامل معها بغير مسؤولية؛ قد تتحول إلى سبب في الانحراف بالعلم بعد أن كانت سببًا في تقدمه.
والبحث في أسباب انحراف العلم في غاية الأهمية لاسيّما انحرافه في الأبواب الدينية؛ لأن ذلك يسهم في خدمة العلم ذاته، وخدمة المجتمعات التي تنعم بثمار العلوم العصرية، وفيه حماية للأمم من الاستغلال السيئ من قبل مبغضي الدين لثمار العلم في دعم دعواهم. فالبحث عن أسباب انحراف العلم أو الانحراف به هو عملية تطهير للعلم من الاستغلال الآيديولوجي الذي قام به أنصار العلمانية ومبغضو الدين والملاحدة وأشباههم، وهو استغلال قد أضرّ بالبشرية ورمى بمجتمعات كثيرة في ظلام الإلحاد والعلمنة والعداء للدين وأصوله وقيمه.
لا أحد يجادل في أن أوروبا شهدت في عصرها الحديث تقدمًا في علوم الدنيا بما لا مثيل له في تاريخ البشرية، ولا أحد يجادل في النفع العظيم الذي قدمته هذه العلوم للبشرية في هذه الحياة الدنيا, ولا أحد يكابر في الوقت نفسه