للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منافذ العبور لذلك هي وضع فلسفات جديدة تقمص روح العلم الحديث أو المشاركة في رسم مناهج العلم، وكانت بداية ذلك مع مفكرَين مشهورَين هما "ديكارت" الفرنسي ممثل الاتجاه الفلسفي العقلاني الحديث و"بيكون" الإِنجليزي ممثل الاتجاه الفلسفي التجريبي الحديث، فافتتحا خطين فكريين جديدين في الفكر الغربي "العقلاني والتجريبي"، وقد كان للاتجاهين دورهما في خدمة العلم وتطويره مما لا ينكره أحد، وفي الوقت نفسه أسهما وفي مستويات أخرى في صياغة المناهج الجديدة المناسبة لحركة العلم والفكر الجديدة، ولكن كان للاتجاهين أيضًا الكثير من المساوئ على مسيرة العلم الحديث، وهذه المساوئ هي ما أحاول كشفه في هذا المبحث وبيان أثره على الانحراف بمسيرة العلم وعلى دوره في رسم علاقة سلبية بين العلم والدين مكتفيًا في ذلك بأهم الاتجاهين صلة بالعلم وهو الاتجاه التجريبي.

ولنتذكر هنا بعض صور الانحراف بالعلم قبل بيان دور هذا الاتجاه، فيكون الانحراف بالعلم عندما يزعم المنحرفون به أنه سندهم في إبطال الدين أو إنكار الغيب أو القول بالإلحاد أو ما يدور في هذا الباب، ويكون الانحراف به أيضًا عندما يحاول البعض تطبيق مناهجه على ما لا يناسبه التطبيق من أمور الدين الغيبية، ويكون الانحراف بالعلم إذا ادُعي له الشمول والكفاية للبشر وعدم حاجة المجتمعات لغيره، ويكون الانحراف به أيضًا عندما تتولى مجموعات ملحدة الحديث باسمه وتتولى استغلال ثماره في دعم مبادئها المخفية والمعلنة، وقد قام بعض رواد الاتجاه التجريبي بكثير من هذه الأمور.

[الاتجاه التجريبي والعلم التجريبي -وهم التسمية وحقيقة الاتجاه]

من بين الأوهام التي عرفها الفكر الغربي الحديث تلك الصلة على مستوى التسمية بين الاتجاه التجريبي والعلم التجريبي؛ إذ يُخيّل إلى البعض بما أنهما يشتركان في التجريب فهما من باب واحد، ويعني أنهما القوة والمتانة نفسها، وأن حقائقهما علمية بما فيه الكفاية، فإن الاتجاه التجريبي الحسي لم يشتهر بهذا الاسم إلا بعد النجاحات التي حققتها العلوم التجريبية، وإذا كانت نجاحات العلم قد وقعت في الدرجة الأولى بعد النجاح في استخدام المنهج التجريبي عصب العلوم الحديثة فإن الاتجاه الفلسفي التجريبي يدعي لنفسه أنه هو المؤهل

<<  <  ج: ص:  >  >>