للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداث قطيعة مع تراثه الديني، وعادة ما يطلق الكتاب الغربيون على هذه المرحلة: عصر التنوير والعقل، ويُشعِرون القارئ أن التنوير ارتبط بالتخلص من الدين واستبدال مصدرٍ آخر به للمعرفة هما العقل والعلم، ولكن الحقيقة أنه كان تنويرًا في مجالات العلم والتقدم الدنيوي، لكنه كان ظلامًا في مجال الدين والقيم عندما اتخذ الانعتاق من الكنيسة ذريعة للانعتاق من كل دين.

لقد قام أغلب مفكري هذه المرحلة بالدعوة لحياة مجتمع بعيدة عن السلطة الدينية يقوم على العقل ويطور العلم الذي عرف مع الثورة العلمية. وقد كان أشهر التيارات الفكرية في هذا القرن كما سبق خمسة تيارات (١)، تياران موروثان من المرحلة السابقة: "العقلاني، والتجريبي"، وثلاثة برزت في هذه المرحلة: "النقدية الكانطية، والمادية، والتنوير". وقد رأينا علاقة هذه التيارات بنظرية نيوتن؛ لأنها أتت بعده، وتعد علاقتهم بنيوتن نموذجًا لتفاعل الفكر مع التطورات العلمية.

الصورة الجديدة التي رسمتها المذاهب الفكرية للعلم في هذه المرحلة:

[أ- التياران الموروثان "العقلاني والتجريبي"]

يمكن القول: إنهما واصلا ما ابتدآهُ في الفترة السابقة مع "ديكارت" و"بيكون"، إلا أن الاتجاه التجريبي كان أكثر إيغالًا في الرؤية الحسية والالتصاق بالعلوم الجديدة؛ فهي أقرب لنظريتهم في المعرفة، فقد أصبح العلم الصحيح والحقيقي هو ما كان مصدره الحسّ، وبسبب نجاح منهج التجريب الحسي في تحقيق اكتشافات جديدة عظيمة تحول إلى منهج مقدم على غيره، وزادت ثقتهم في المحسوسات أكثر من غيرها، مما دفعهم نحو عالم المادة والشهادة وإغفال عالم الغيب وما لا يقع في دائرة الحسّ، ولذا كان إنكار الدين بينهم أكثر وأشهر.

[ب- الفلسفة النقدية الكانطية]

يعد الفيلسوف الألماني كانط (١٧٢٤ - ١٨٠٤ م) أشهر الفلاسفة في القرن الثامن عشر (١٢ هـ)، وقد كانت فلسفته تروم الجمع بين الاتجاهين الكبيرين: "العقلي والتجريبي"، فهو يرى بأن هناك قبليات عقلية لا يمكن إنكارها تساعدنا


(١) في فقرة تأثير نيوتن في فكر عصره ص ١٨٤، والتركيز هنا على صورة العلم التي رسختها الاتجاهات الفكرية في الثقافة الغربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>