للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: في باب الأخلاق الإِسلامية:

تُعدّ الأخلاق من أهم ما يميز الإنسان، ولهذا أخذت مساحة كبيرة في التصور الإِسلامي، وقد امتدح الله نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤]، وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن دعوته فقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (١)، وقد أُمرنا بالاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - كما أمرنا بالدعوة لما دعا الخلق إليه، ومن ذلك الأخلاق الإِسلامية.

وقد تعرضت الأخلاق لمشكلات كثيرة في الفكر العلماني الحديث وأخذ بها المتغربون في العالم الإِسلامي، ومن هذه المشكلات ما هو في مستوى التنظير، ومنها ما هو في مستوى التطبيق، ومن ذلك مشكلات لها علاقة بالجانب العلمي الحديث أثارها المتغربون، يحاول الباحث مناقشتها في هذه الفقرة، فتُبحث انحرافاتهم في باب الأخلاق باسم العلم الحديث ونظرياته مع بيان حقيقة التصور الإِسلامي الذي يعارضه هؤلاء.

وستكون البداية بتعريف مختصر للأخلاق، ثم طريقة البحث الأخلاقي المتأثر بالعلمنة مع التركيز على ما له صلة بالعلم الحديث، وبيان شيء من مشكلاتها، ثم تأتي نماذج من التأثر التغريبي في هذا الباب.

أولًا: تعريف الخلق:

في القاموس المحيط "الخلق، بالضم وبضمتين: السجية والطبع، والمروءة والدين"، وفي لسان العرب "وفي الحديث ليس شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق". الخلق بضم اللام وسكونها وهو الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه، وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة، ولهذا تكررت الأحاديث في مدح حسن الخلق في غير موضع، كقوله: "من أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق"، وقوله: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا"، وقوله: "إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"،


(١) رواه البخاري في الأدب المفرد، والحاكم، وأحمد، وغيرهم، وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ١/ ٧٥ برقم (٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>