تصوره للدين والإله والروح والغيب والآخرة وغيرها من الأمور. ومع أن الجميع يتفقون بأن نظرية داروين لم تقل بشيء من هذا، ولكن الفلسفة التي قامت عليها أتت بكل هذه الأمور، ثم يزعمون ارتباطهم بأحدث نظرية علمية ومن ثم بالعلم في أبرع صوره، فإذا أتيت إلى النظرية وجدت بأن لها مشكلتها في إطار العلم ذاته، وإذا أتيت إلى الدارونية الاجتماعية؛ وجدت نفسك أمام تيار أيدلوجي مادي يريد استغلال العلم وتقويله فيما يخدم أيدلوجية صاحب المذهب. يقول "محمد قطب" بعد أن استعرض استثمار ثلاثة من اليهود البارزين لنظرية داروين وأبعاد ذلك: "ومن حصيلة هذا كله حدثت حركات ضخمة في المجتمع الغربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين"، والتقوا "عند نقطة رئيسية، متصلة ومتصاحبة:
الحملة على الدين والأخلاق والتقاليد، ونفي القداسة عنها، وتشويه سمعتها أو التشكيك في قيمتها. والقيام بهذه الحملة باسم "العلم" والبحث العلمي. والربط بين هذا التحليل الديني والانحلال الخلقي وبين "التطور""(١).
لا تبتعد الدارونية الاجتماعية التطورية والمتأثرون بنظرية داروين من خارج الدارونية الاجتماعية عن الإطار الفيورباخي المادي الذي يذهب إلى هدم الدين باعتباره وهمًا وخرافة، إلا أن الفئة الجديدة تزعم ابتعادها عن النظرية الفلسفية -الفيورباخية مثلًا- واتصالها بالنظريات العلمية -الدارونية أساسًا- وإن وصلت إلى نفس نتائج الفئة الفيورباخية وأصبحت الدارونية تيارًا كبيرًا في أوروبا.
[ظهور الدارونية العربية]
إذا تركنا أوروبا على حالها في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر وانتقلنا إلى العالم الإسلامي نجد صورة أخرى، حيث كان العالم الإسلامي كما رأينا في مباحث سابقة يمر بتحولات خطيرة، وقد برزت أوضاع كثيرة منها التوجه الاستعماري الأوروبي وما صحب ذلك من أدوات استخدمها الغرب لتحقيق توجهه، وأخطر ما قابل ذلك بروز فئة نصرانية علمانية -بناها الغرب ثم الاستعمار- تبنت بعض المذاهب الغريبة الشاذة ووظفتها في تدمير الدين أو إقصائه عن الحياة، وأشهر
(١) التطور والثبات في حياة البشرية، محمد قطب ص ٥٦.