للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتجاوزها الناس إلى غيرها في وقت آخر، كما هو الحاصل مع الدارونية التي غطّت عليها مذاهب أخرى ظهرت في القرن الرابع عشر/ العشرين.

هناك من ربط ظهور الدارونية بأوضاع التحولات الأوروبية، وقد كانت في مجال الدين والقيم تحولات خطيرة (١)، وهناك من تحدث عن أثرها في كثير من الأوضاع السياسية والاقتصادية والفكرية في الغرب، بل تأثيرها في العلم ذاته ولاسيّما العلوم الاجتماعية (٢)، مما يجعل تجاوز ما أفرزته من مشكلات يحتاج لوقت طويل، وقد جاءت دراسات تتناول تلك الأبعاد، إلا أن هذا المبحث يقف فقط مع ما أثّرت به على أتباعها المتغربين في موقفهم من الدين.

والمُلفت للنظر أن الدارونية قد جذبت طائفة مهمة من أصحاب الخيار الإلحادي، فـ"ماركس" و"أنجلز" قائدا أبرز مذهب مادي إلحادي أُعجبا بها، ووجدا فيها أرضًا خصبة لمذهبهما، فضلًا عن الدارونيين البارزين الذين تبنوا مذهبًا ماديًا إلحاديًا أو آخرين خارج الدارونية مثل "فرويد" أو"نيتشه" أو غيرهما، فقد أخذت شهرة في فترة ما، ولا شك أن المرحلة التي تمر بها أوروبا أسهمت في ذلك، ولكن الوضع لم يستمر على هذه الحال، حيث بدأت خيارات أخرى تتصدى للإلحاد متبنية في الوقت نفسه مصادر علمية.

لم يكن الفكر الغربي الحديث خاليًا من المشكلات مع الدين، ولكن النظرية الدارونية أضافت مشكلاتها ولاسيّما في ادعاء أصحابها أنها تُمد الفكر المعارض للدين بأدلة علمية من ميدان العلم، ومما ركزت عليه نفي "صفة الخلق عن الخالق -سبحانه وتعالى-، ونسبته إلى الطبيعة. فقال دارون: "الطبيعة تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق. . . . ونفت الغاية من الخلق. فالإله الجديد -الطبيعة- يخبط خبط عشواء. . . ." وأخيرًا ركزت على حيوانية الإنسان وماديته" (٣). وقد أخذ مجموعة من المفكرين بهذه الأبعاد إلى أقصى مداها، ونظروا للإنسان كحيوان داروني متطور (٤)، أوجد في أثناء تطوره تصورات كثيرة وصلت إلى


(١) انظر: العلمانية .. ، الحوالي ص ١٨٨ وما بعدها.
(٢) انظر: الدارونية والإنسان .. ، د. صلاح، الفصل الثاني والثالث والرابع.
(٣) حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية، محمد قطب ص ٢٧ - ٢٨.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>