للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التغريب إلى أن الاستعمار والغزو الثقافي قد استغل نظرية دارون لخلق تيار المادية التي برزت فيه من بعد وممثلة في نظريات لورنس وفرويد ودوركايم وماركس" (١)، وسمحت هذه البيئة فيما بعد بدخول الكثير من النظريات، كأدوات لهدم هوية المجتمع، ولم تدخل كنظريات داخل مؤسسات علمية قادرة على تحليلها ودراستها ونقدها.

وقد أصبحت هذه البيئة بقيادتها التغريبية مصدرًا لضرب الأمة، حيث ابتعث مجموعة في دراسات لا تحتاجها الأمة، وإنما في علوم اجتماعية حولها الكثير من اللغط، ثم عادوا ليُخرِج القادر منهم مشروعًا خطيرًا، أشغل الأمة الإِسلامية وقت الاستعمار وبعده. ومن ذلك على سبيل المثال: "طه حسين" ولاسيما "الشعر الجاهلي"، و"علي عبد الرازق" بكتابه: "الإِسلام وأصول الحكم" وقت إعلان سقوط الخلافة وإلغائها، و"منصور فهمي" الذي أعدّ أطروحة الدكتوراه عن المرأة في فرنسا بإشراف اليهودي المشهور "ليفي برول"، ويؤسس "إسماعيل مظهر" مجلة العصور لتكون إحدى أشهر مجلات التغريبيين، وكذا الحال مع "محمَّد حسين هيكل"، فضلًا عن نشأة تيار فكري شديد الغلو في التغريب والعداء للدين وهو الاتجاه الماركسي (٢)، ومن بين ما ركز عليه هؤلاء: الانحراف بالعلم الحديث وتوجيهه في هدم الدين بدرجات متفاوته.

وستبقى هذه البيئة مصدر إثارة للمشكلات؛ لأنها بيئة صنعها العدو لأهدافه آنذاك، وأي بيئة علمية أو فكرية أو ثقافية أو أدبيه لم نصنعها نحن بأنفسنا ولم نؤسسها وفق أصولنا، فستبقى تلك البيئة ضدنا وينتج عنها ما يتعارض مع هويتنا.

[٢ - صناعة الازدواجية في التعليم وعلمنته]

مما أحدثه الاستعمار في البيئة العلمية وأسهم فيما بعد في الانحراف بالعلم تلك الازدواجية، فقد كان المستعمر يعرف حاجة المسلمين للعلوم الحديثة، وفي الوقت نفسه يعي حجم المنظومة العلمية الإِسلامية وخطورتها على


(١) المرجع السابق ٥/ ٧٢. ومن العادة أن التيارات الفكرية تصدر عن المتعلمين، وقد أصبح التعليم ومعاهده مركز الانطلاق، وبعد ظهور "الجامعة" أصبحت هي منطلق التيارات الفكرية.
(٢) انظر: تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي، د. محمَّد الأنصاري ص ٢٤ - ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>