رأينا فيما سبق بأن القرن الثالث عشر/ التاسع عشر هو نقطة تحول في العالم الإِسلامي، وقد كان من أهم مرتكزات هذا التحول طلب العلوم العصرية على حالها في أوروبا، وتتبعت باختصار حال طلبها في أهم أجزاء العالم الإِسلامي: مركز الخلافة وبلاد الهند وولاية مصر زمن محمَّد علي وأبنائه من بعده، كانت الهند أهم جزء اشتبك في هذه القضية في الشرق الأقصى من العالم الإِسلامي، وكانت مصر أهم جزء عربي، ومن الطبيعي أن يكون مركز الخلافة أول الجهات أو أكثرها اهتمامًا بهذه القضية، إلا أن تجربة مركز الخلافة كانت باللغة التركية؛ مما أعاق انتفاع غير الأتراك بها ولاسيّما أهل اللسان العربي، وقيل مثل ذلك في التجربة الهندية إضافة إلى بعدها عن المراكز الحضارية التاريخية للعالم الإِسلامي.
والآن نتأمل في جزء مهم من العالم الإِسلامي دخل أيضًا في هذه المعركة وهي بلاد المغرب، وقد كانت في الغالب رغم تبعيتها للدولة العثمانية تتمتع بحكم شبه ذاتي، وكان من الطبيعي أن تكون هذه البلاد أول من يحتك بأوروبا بسبب جغرافيتها، والطريف في علاقة هذا الجزء من العالم الإِسلامي بأوروبا: أنه كان من زمن قريب مقصد الأوروبيين في طلب العلم، وإذا بنا بعد زمن نصل من الضعف لدرجة مذلة ومهينة عند طلبها منهم.
لم يستطع هذا الجزء من العالم الإِسلامي طلب ما يحتاجه من أوروبا طلب الند من الند أو القوي من القوي وإنما جاء في وقت صعب، وجاء طلبها من ضعيف خائف من غدرة القوي، بينما أوروبا آنذاك تتأهب لاستعمار البلاد