للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما يدل هذا الحرص الفرويدي على علاقاته اليهودية عن حالة يهودية تعمل من أجل اليهود وتتأثر في الوقت نفسه بالروح اليهودية والثقافة اليهودية رغم إعلانه لإلحاده، ومن ثم توجيه نشاطه العلمي لصالح اليهود، وهذا الأمر هو ما شجع مجموعة من الباحثين لدراسة علاقة فرويد ليس باليهود فقط، بل علاقته بالتراث اليهودي ومحاولته لنشر اليهودية بثوب عصري من خلال أعماله وجماعة التحليل النفسي وخدمة اليهودية بمثل ذلك، وهذا التحليل يوصلنا لبيت القصيد موضوع الفقرة القادمة.

ثانيًا: علاقته باليهودية:

رغم إلحاده الذي يصرح به إلا أن هناك أقوالًا له توحي بغير ذلك أو تجعل أمره ملتبسًا، ومن هذه الأقوال مثلًا: اعترافه بأنه تأثر بقصص الكتاب المقدس، وأنها ذات أثر دائم في توجيه اهتماماته، وذكر "جونز" كاتب سيرة فرويد: تباهيه بيهوديته عندما كتب إلى المعهد العلمي اليهودي في لندن: "إنني أعتز بيهوديتي بفخر"، وذكر جونز عنه أيضًا إحساسه المرهف بيهوديته (١). وقوله: "كان أهلي يهودًا، وأنا نفسي بقيت يهوديًا". ويذكر "ماكس غراف": "كنا نناقش أحيانًا، خلال الزيارات، المسألة اليهودية. كان فرويد فخورًا بانتمائه إلى الشعب اليهودي الذي أعطى التوراة للعالم" إلى أن قال: عندما استشاره في وضع ولده، فقال له فرويد: "إذا لم تدع ابنك يكبر في ظل اليهودية، فإنك ستحرمه من مصادر الطاقة التي لا يمكن لأي شيء أن يحل محلها. إن يهوديته تدفعه للصراع، وعليك أن تدع الطاقة الضرورية لهذا الصراع تنمو في ذاته. فلا تحرمه من هذه الميزة" (٢).

وقد سبب ذلك الغموض في موقفه من اليهودية اختلاف الباحثين في حقيقة إلحاده: فمنهم من يرى إلحاده زائفًا وإنما هو يهودي متمسك بيهوديته، ومن هؤلاء "شويزي": "وهي محللة من خاصة فرويد وذات معرفة به وصلة وثيقة"؛ إذ


(١) انظر هذه الشواهد مع تحليلها في: الجذور التوراتية للمذهب الفرويدي ص ١٤٧ - ١٨٧ وهي موجودة أيضًا في مقدمة الدكتور الحفني لكتاب فرويد: النبي موسى ورسالة التوحيد.
(٢) فرويد والتراث الصوفي اليهودي، باكان ص ٤٩ - ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>