للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضها" (١)، فموقف "نيوتن" المعروض هنا بأنه جعل الأجسام من خلق الله سبحانه، وكذا صفاتها الذاتية هي في الأصل من خلق الله سبحانه، وإن كان كغيره يجعل تلك الصفات مستقلة في نشاطها كالحركة مثلًا، فحسب القانون الأول للحركة بأن الجسم يبقى في حركته على خط مستقيم بسرعة ثابتة ما لم يؤثر فيه مؤثر خارجي، وهو أخيرًا يجعل هذه الجاذبية مما أضافه الله إلى العالم حتى يحافظ عليه كما هو، فهي خاصية جعلها الله سبحانه في هذا العلم المادي، ولكن المادة يمكن معرفتها بالحس وكذلك صفاتها، فنحن مثلًا نشاهد حركتها، ولكن الجاذبية لا تدخل في هذا الإطار.

يُظهر "نيوتن" هنا اعترافه على الأقل بخلق الله سبحانه لهذا الكون وصفاته وما وضعه الله فيه من خاصية تحافظ عليه، ونجد الكاتب السابق غير مرتاح حتى لهذه البقية الباقية مما يُقرّ به نيوتن، وكأنه يريد وصف عالم مادي يُفسَّر فقط بما يُرى ويحس به ويخضع للملاحظة والتجربة، وهذه نزعة مغالية في الاكتفاء بعالم المحسوس والمعقول ومنع كل غيبي في الباب، ولا يعني هذا صواب ما قاله نيوتن أو خطأه، وإنما هو بيان لما نجده عند بعض المفكرين العرب من التهويل من شأن الميتافيزيقا خالطين في ذلك الحق بالباطل، دون تفريق بين المختلفات وتوضيح للمشتبهات (٢).

[ب- القوانين والنظرية]

بالعودة إلى نظرية "نيوتن" في الجاذبية وبعض آثارها، نجد من بين أهم ما وصل إليه الموضع المميز للقانون في عمله. وقد سبقت وقفات مع "كبلر" صاحب القوانين الثلاثة حول مفهوم القانون ومع "جاليليو"، ولكن مفهوم القانون سيكون له شأن كبير في النسق النيوتني؛ لأنه بنظرية الجاذبية قد فسّر كل علاقة بين الأجسام المتحركة على الأرض أو في الكون بقوانين دقيقة لم يسبق إليها في تاريخ البشرية، فكيف كان وقع هذه النظرية وقوانينها الدقيقة على المجتمع لاسيّما من الوجهة الدينية؟

ويرجع تركيزي على الوجهة الدينية والفكرية؛ لأنها هي ما يهمني في المقام


(١) مدخل إلى فلسفة العلوم ص ٢٧٣.
(٢) يوجد كلام جيد في الموضوع عند "رونالد" في تاريخ الفكر الأوروبي الحديث ص ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>