العالم الإسلامي قد نجح في تكوين تيار من اليهود والنصارى، وبعض من تأثر بهم من المسلمين يتبنى الرؤية العلمانية الجديدة في أوروبا بكل أبعادها، ومن ذلك ما له صلة بالعلوم العصرية، وقد اجتهد هذا التيار في نشر مثل هذه المشاكل داخل العالم الإسلامي عبر كل وسيلة يتمكن منها.
نقف الآن وقفة مختصرة مع أشهر الطرق التي تعرف المجتمع من خلالها على المشكلات المرتبطة بحركة العلم داخل أوروبا، ومع أول النظريات التي أحدثت المشاكل داخل النخب الإسلامية، وكان أول النظريات نظريتي "الفلك والتطور"، ونذكر هنا بأن ما يعرض في هذا القسم إنما هو الجانب التاريخي لنشاهد كيف عاش المجتمع المسلم هذه التجربة علّنا نكتشف ما يفيدنا في التعامل المعاصر مع مثل هذه الظواهر، وسأجعلها بإذن الله في فقرتين:
الفقرة الأولى: طرق تعرف المجتمع على العلوم العصرية وما ارتبط بها من مشكلات.
الفقرة الثانية: تاريخ دخول النظريات المشكلة للعالم الإسلامي.
١ - طُرق تعرف المجتمع على العلوم العصرية وما ارتبط بها من مشكلات:
طريق تعرّف المجتمع على العلوم العصرية يختلف عن طريق تعرف الدولة ونخبها كما أنه جاء متأخرًا، فالدولة العثمانية مثلًا كان بعض أجزائها من قارة أوروبا، فهي تسيطر على البلقان واليونان وغيرها من البلاد الأوروبية؛ مما يعني اطلاعها على ما في أوروبا، أيضًا عبر اتصالهم ببعض السفراء والتجار الأوروبيين، ولكنها لم تتخذ القرار المناسب في كيفية التعامل مع العلوم العصرية التي طورها الأوروبيون، أما المجتمع -ففي وقت لا اتصال فيه مع أوروبا- لم يكن قادرًا على معرفة ما يحدث فيها، بمن في ذلك علماؤهم ومفكروهم وعقلاؤهم، ولكن حدثت أمور أدخلت المجتمع في صلب التفكير بهذه المستجدات والاطلاع عليها (١)، وأهمها الصور الآتية:
الصورة الأولى: حملة نابليون على مصر، فهذه الحملة وإن نجح المسلمون في مقاومتها عسكريًا إلا أن فيهم من ضَعُف أمامها فكريًا؛ إذ كانت
(١) سأكتفي هنا بالعرض الإجمالي لهذه الصورة لارتباطها بالعرض التاريخي، وسيأتي التحليل النقدي لها في الفصل الرابع بإذن الله.