"وأما الدليل الذي يكون عقليًا أو سمعيًا من غير أن يكون شرعيًا: فقد يكون راجحًا تارة ومرجوحًا أخرى.
كما أنه قد يكون دليلًا صحيحًا تارة، ويكون شبهة فاسدة أخرى.
فما جاءت به الرسل عن الله تعالى إخبارًا أو أمرًا لا يجوز أن يعارض بشيء من الأشياء، أما ما يقوله الناس فقد يعارض بنظيره، إذ قد يكون حقًا تارة وباطلًا أخرى، وهذا مما لا ريب فيه، لكن من الناس من يدخل في الأدلة الشرعية ما ليس منها، كما أن منهم من يُخرج منها ما هو داخل فيها، والكلام هنا على جنس الأدلة، لا على أعيانها" (١). ونواصل الانتفاع بهذا النص المهم لابن تيمية -رحمه الله- من جهة الكلام عن جنس الأدلة، فالموصل للحق منها هو الوحي، وهو الدليل الشرعي، ومنه ما هو عقلي، ومنه ما هو سمعي لا يعلم إلا بمجرد خبر الصادق، فإن اعترض معاند وقال: كيف لي التحقق من "السمعي"؟ كان جوابه: إن الدليل الشرعي العقلي الذي جادل المعاندين بالمعقول والمحسوس، وثبت عند أهل العقل الصحيح والحس والسليم أنه الحق من ربهم، فآمنوا بالخبر الذي لا يمكن لعقل أو حس أن يعلمه؛ لأنه من علم الغيب المحض، فهو وإن كان من الغيب المحض إلا أنه قد ثبت بطريق الخبر الصادق. كما أنه يوجد أدلة غير شرعية، سواء كانت عقلية أو حسية أو خبريه، وهذه بحسب أحوالها حتى في الأمور الدينية، فقد تكون صحيحة تارة وقد تكون شبهة فاسدة أخرى، ولهذا كان الحق في أمور الدين الاكتفاء في معرفته بالدليل الشرعي. فيكون الدليل الشرعي (الخبري العقلي) للدين، ويكون الاستنباط للأمور الرياضية، ويكون التجريب والاستقراء للأمور الحسية، وتكون جميع العلوم تنطلق نحو تحقيق الأمر الرباني ولا تتعارض مع التصور الإِسلامي.
[٣ - القول بجعل النظريات العلمية في مقام النص الشرعي وتقديمها عليه]
تمتلئ الكتابات التغريبية التي تدّعي صلتها بمذاهب علمية أنها تعتمد العلمَ وتجعله مصدرها في العلم، فيكفي أنه علم يخضع للتحقق ويستطيع كل الناس التأكد منه. ولا شك أن الناس عندهم ثقة بالعلم، يكفي أن يأتي من يقول: هذه