يعرض النموذج الرابع شخصية مهتمة بالعلم الحديث والعلمانية، ويُضم ضمن الفكر العلمي وهو الدكتور"فؤاد زكريا"، وله مواقف متنوعة في هذا الباب نقف مع بعضها.
يركز البعض على تخلفنا عن ركب مسيرة الفكر الأخلاقي، فالغرب الآن قد تجاوز الأخلاقيات القديمة، ودخل في تأسيس أخلاقيات جديدة تناسب الأوضاع الجديدة، وهي أخلاقيات مرتبطة في الأساس بالتطورات العلمية الجديدة، ويأتي في مقدمتها تطورات علم الحياة، وهي تطورات خطيرة، وقد تتسبب في تغيرات أخلاقية كبيرة وبهذا نحن في حاجة لفتح الباب للنقاش فيها، ولكن يظهر من جانب المتغربين الميل إلى تقبل التغيرات كواقع لا مفر منه، ومن ثمّ إيجاد أخلاقيات تتقبل هذا التغير.
يذكر د. فؤاد زكريا مثالًا يؤكد هذا الجانب من قبول السلبيات الناتجة عن العلم باكتشاف حبوب منع العمل "فقد ظهرت هذه الحبوب بوصفها مثلًا واضحًا لقدرة الإنسان على التدخل في مجرى الحوادث الطبيعية، وتنظيم حياة الإنسان، وتمكينه لأول مرة من أن يتحكم في نسله"، إلا أن له جوانب أخلاقية، فقد أحدث انفصالا بين الجنس كممارسة وبين الإنجاب، "أي: أنه أصبح من الممكن أن يمارس الجنس دون خوف من الحمل. ونظرًا إلى أن هذا الخوف كان، في كثير من المجتمعات البشرية، هو الدافع الحقيقي إلى التمسك بالعفة، فإن زواله كان يعني زوال سبب رئيسي للتمسك بالقيم الأخلاقية المتعلقة بالجنس. وهكذا اتسع نطاق الممارسات الجنسية الحرة، في المجتمعات الصناعية المتقدمة، على أوسع نطاق. . . . وترتب على ذلك انهيار كثير من القيم الأخلاقية التقليدية، واختفاء الزواج بشكله القديم اختفاء شبه تام. . . . "(١). ويختم ذلك بأهمية وعي العالم بأبعاد الاكتشافات العلمية؛ لأنها أصبحت تتدخل في حياة الناس، ولكنه يحيل ذلك إلى المجتمع وإلى العلماء في العلوم الاجتماعية دون أن يربط ذلك بالدين؛ أي: أنه يحيله إلى عقلانية هي السبب في
(١) التفكير العلمي، د. فؤاد زكريا ص ٣١٩ - ٣٢٠، انظر كلام محمَّد قطب عنها في: التطور والثبات في حياة البشرية ص ١٦١، وفي: جاهلية القرن العشرين ص ١٧٤.