للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن عملًا بسيطًا كهذه التجربة غيَّر مسار علم بأكمله، وغيَّر مفاهيمه الأساسية، وكان نواة لنظرية جديدة يولد معها فيزياء جديدة.

في زمن هذه التجربة الصغيرة كان هناك مجموعة أخرى توصلت إلى اكتشاف مدهش وأكثر إثارة وعجبًا في مسيرة العلم المعاصر، ألا وهو اكتشاف عالم الذرة وما تبعه من ظهور علم جديد هو علم الكوانتم.

[١ - قصة عالم الذرة]

للذرة خلفية تاريخية تمتد لأكثر من عشرين قرنًا، وقد أُنجز في خمسين سنة ما يعادل بل يفوق ما أنجز في كل تلك القرون، ولهذا النوع بالذات خلفية إسلامية أيضًا ما زالت ممتدة إلى عصرنا الحاضر عند بعض التيارات الإِسلامية، فنبدأ بها كتوطئة لموضوع "الذرة" ولنكشف بأن مثل هذه الميادين تُحدث خلافًا واسعًا عندما تدخل في مجالات دينية أو كلامية ولاهوتية وثقافية.

كانت هناك بحوث ونظريات قديمة تبحث عن جواب لهذا السؤال: ممَّ يتكون هذا العالم؟ ومن أشهر النظريات القديمة النظرية الذرية في الفلسفة اليونانية ونظرية العناصر الأربعة. وعندما تُرجمت كتب فلسفية كثيرة من الهند والفرس واليونان في القرن الثاني الهجري، وما بعده تأثر بعض المسلمين بهذه الموضوعات، واشتغلوا بها. ومن ذلك مباحث المتكلمين حول الجسم والجوهر والجزء الذي لا يتجزأ وكذا المتفلسفة، وتنازعوا حولها كثيرًا واختلفوا فيها إلى طوائف، ومن العجب أن نجد في وقت مبكر في الجسم أو الجوهر عدّة مذاهب، فقد جمع الإِمام أبو الحسن الأشعري في كتابه "مقالات الإِسلاميين واختلاف المصلين" أقوالًا كثيرة (١)، وهو المتوفى سنة (٣٣٠ هـ) فما بالك بما حصل بعده؟!

ومن ذلك اختلافهم حول الجوهر الفرد أو الجزء الذي لا يتجزأ أو ذرات الفلاسفة، وقد بُني على ذلك مسائل أصولية كبيرة، وانشغل بها المسلمون قرونًا


= وكانت المفاجأة عكسية ولم يصدقا ذلك وصعب تصوره، ولكن بعد ذلك تحولت التجربة من نتيجة سلبية إلى إيجابية في مجال آخر وسببت إعادة التفكير في الفيزياء، انظر: العقلانية المعاصرة بين النقد والحقيقة، د. سالم يفوت ص ١١٨ - ١١٩.
(١) انظر: ٢/ ٤ وما بعدها من كتاب: المقالات.

<<  <  ج: ص:  >  >>