فهذا القسم هو الذي تؤيده حقائق التاريخ الحديث، فالأمة الإِسلامية آلمها جُرأة دولة باقتحام أسوارها متسلحة بأسلحة جديدة، عندها وجدت أن واجبها ليس الاستسلام، وإنما البحث عن سبب ضعفنا، وتحصيل أسباب قوتنا بأنفسنا دون انتظارها من عدونا، فلن يرضى أبدًا ذلك العدو بمنحنا أسباب قوتنا. وأسباب قوتنا منها ما هو داخلي وهو الأهم، ومنها ما هو بتحصيل الأسباب المادية، ومن ذلك اقتباسها وأخذها من تلك الأمم وإن كانت عدوّة لنا، مع أن هذه العلوم كانت من صلب حضارتنا وأبدع فيها المسلمون يومًا ما، فهم لا يأخذون شيئًا غريبًا عنهم؛ بل يعيدون النظر في جزء من حضارتهم فرطوا فيه وأهملوه نتيجة الضعف العام الذي أصاب الأمة، والضعف قد يصيب الأمم، إلا أن أمة الإِسلام وإن ضعفت فعندها مصدر قوتها ولديها إمكانية العودة إلى الصدارة من جديد.
[مواقف جديدة لبعض شيوخ الأزهر من العلوم العصرية]
وفي هذا الإطار يمكننا إدخال بعض مواقف فضلاء ذلك العصر مثل المؤرخ المشهور "عبد الرحمن الجبرتي"، وكذا الشيخ "حسن العطار" أحد شيوخ الأزهر وغيرهما، ممن عاصر تلك الحملة واطلع على ما عند القوم من ترتيب جيد للعلوم المادية وما بني عليها من ثمار صناعية مختلفة، ومن ثم حرصهم على حث المسلمين في تحصيلها، أو حرصهم بأنفسهم على التعرف عليها، وسنقف مع هذين العلمين، لنرى حقيقة علاقتهما بالحملة الفرنسية لاسيّما البعثة العلمية.
أما موقفهما من الحملة فهو موقف كل مسلم، حيث يراها احتلالًا يجب إزالته، وأن أهلها يقصدون إضعاف الأمة ونشر مفاسدهم بين المسلمين مع نهب خيرات البلاد، وهذا خلاف مواقف الكثير من نصارى العرب والقبط ممن يراها فرصة لطرد المسلمين أو إضعاف سلطتهم. بقي النظر في طريقة تعرفهم على النشاط العلمي داخل الحملة ودورهما في حثّ المسلمين على تحصيل العلم النافع منها.
[أ - عبد الرحمن الجبرتي]
حرص الشيخ "الجبرتي" -كأي مؤرخ- على وصف ما شاهده في المجمع العلمي وصفًا دقيقًا بحسب الظاهر منه، ولا شك أن هذا الوصف يغري كل من