للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اطلع على كتابه بمعرفة ما عند القوم، فمن ذلك وصفه لمكتبة المجمع, ففيها جملة كبيرة من كتبهم، وذكر اجتماعهم اليومي قبل الظهر بساعتين، فيتصفحون ويراجعون ويكتبون حتى أسافلهم من العساكر، ثم يصف موقفهم ممن يزورهم من المسلمين بأن من يريد الفرجة لا يمنعونه الدخول إلى أعز أماكنهم، ويتلقونه بالبشاشة والضحك وإظهار السرور بمجيئه إليهم، وخصوصًا إذا رأوا فيه قابلية أو معرفة أو تطلعًا للنظر في المعارف؛ بذلوا له مودتهم ومحبتهم، وذكر أنه زارهم مرارًا وأطلعوه على ما عندهم من كتب وخرائط، ومن ذلك كتب إسلامية مترجمة بلغتهم مثل كتاب البردة للبوصيري، ثم ذكر الأقسام الموجودة فبدأ بـ "توت" الفلكي وأدواته العجيبة، ثم قسم خاص بالمصورين يصوّرون الحيوانات والنباتات وغيرها؛ وذلك تبعًا لترتيب العلوم الجديدة: الجيولوجيا والأحياء وغيرها.

ثم قسم أفردوه للمهندسين وصناع الدقائق، ثم قسم "الحكيم رويا" الكيميائي بآلاته ومساحيقه وقدوره العظيمة، ثم وصف بعض العمليات الكيميائية التي أجريت أمامه واندهش منها الحضور (١) ولاسيّما تجربة إصدار التيار الكهربائي.

لا شك أن هذه الزيارات من قبل بعض المشايخ قد تفيدهم في معرفة حقيقة الغزاة، بخلاف من زعم أنهم حصّلوا منها معارف، فهذه غير ممكنة إلا بتعلم، وسماح الفرنسيين بتلك الزيارات ربما كان هدفها استمالة الأعيان والمشاهير لاسيّما وهم يطلعون الزوار على أمور الغاية منها في الظاهر الفرجة على دهشة المتفرجين، وفي ذلك يقول الفرنسي "كريستوفر": "لقد توقع الفرنسيون بالغرور المعهود في الغربيين أن يستجيب الشيوخ لعجائب الصناعة بدهشة صبيانية كدهشة الشعوب المتوحشة. ولعله لم يخطر لهؤلاء الصناعيين أنهم هم السذج الأقل بصرًا بشؤون الدنيا من الشيوخ الذين لم يبد عليهم التأثر بما شهدوا. لقد تأثر الشيوخ ما في ذلك ريب، ولقد أعجبوا، إن كان بين الجبرتي وبينهم شبه ولو قليل، بهذا الانقطاع للعلم، أكثر من إعجابهم بعرض الألاعيب والحيل الرخيصة، ولكنهم أبوا الخضوع لسيطرة الغريب. وبعد قرن من الزمان تعلمت آسيا وأفريقيا كل هذه الحيل ونفضت عنها هذه السيطرة. فأي


(١) انظر: مشاهدات الجبرتي في تاريخه ٢/ ١٦٤ - ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>