للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديون التي لا تنتهي (١)، فمع الربا أصبحت "الديون في عصرنا من المشكلات، بل من المعضلات. . . . يقول موريس آليه: "يقوم الاقتصاد العالمي برمته على أهرامات هائلة من الديون، يعتمد بعضها على بعض في توازن هش. . . . إن جميع الأزمات الكبرى في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ناشئة من الزيادة المفرطة في الائتمان ووعود الدفع. . . . وليس هناك أي سابقة في الماضي لوحظ فيها مثل هذا التزايد الطائش في الائتمان والاستدانة"" (٢). وقد رصد الدكتور رمزي زكي في عدد من دراساته حجم الغرق الذي يتخبط فيه العالم العربي من جراء ديون الفوائد الربوية، وإن جزءًا مما ذكره ليكفي للاعتبار بحجم مضار هذا الوباء الاقتصادي، ففيه من الأرقام المهولة مع قلة الثمرة وتوسع المخاطر ما هو أوضح دليل على خطورة الربا (٣).

[القسم الثاني: الإطار الاجتماعي العام للتحول الاقتصادي الغربي]

انطلقت نظريات الفائدة من أوروبا وقد جاء ذلك بعد تحول كبير وخطير نحو العلمنة، فمع الأوضاع السيئة للكنيسة بمشاركتها مفاسد الواقع الأوروبي، فهي -وإن حرمت الربا- فقد ساندت نظام الإقطاع بكل ما فيه من مساوئ (٤)، إلا أن ميول الكثير من الناس الوحشية الأنانية كانت تتوارى خلف ستار الكبح بقوة الدِين، ولكن الحدث الأوروبي المشهور في التحول العلماني قد أبعد الدين عن ممارسة تأثيره، ومع انحسار قوة الدين جاء الاعتراف بهذه الغرائز الجامحة عند الإنسان، وتمّ إعطاؤها المبررات العلمية للانطلاق، فتحرك الناس في دنياهم بقوى الأنانية، ومن ذلك الانفتاح على الربا بعد أن وجد تبريره الاقتصادي تحت مسمى الفائدة، ولو حدثت أي فرصة لتراخي القانون أو إمكانية التحايل عليه لما أمكن السيطرة على معدلات الفائدة (٥).


(١) انظر: الإِسلام والربا، أنور قرشي ص ٢٠١ وما بعدها.
(٢) الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. رفيق المصري ص ٤٦.
(٣) انظر مثلًا: الاقتصاد العربي تحت الحصار. . . .، د. رمزي زكي.
(٤) انظر حول الكنيسة والنظام الإقطاعي: النظرية الاقتصادية في الإِسلام. . . .، فكري نعمان ص ٥٠ - ٥٤، وانظر: العلمانية. . . .، سفر الحوالي ص ٢٦٠ - ٢٦٨، وانظر: جاهلية القرن العشرين، محمَّد قطب ص ١٥٥.
(٥) مستفاد من الإِسلام والربا، أنور القرشي ص ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>