بالساحة. ثم ظهرت مشكلات فأحيلت مع جيل لاحق إلى العلم ذاته، ولكن إلى شق آخر منه، بحيث يولّد المشكلات ويعالجها في الوقت نفسه ولكنه لم ينجح في ذلك. فظهر مع جيل معاصر إعادة الحديث عن دورٍ ما للدين، وإن كان دورًا ضيقًا وهامشيًا، ولا يُستغرب ذلك، فتمكن العلمنة والتغريب والشُبَه من القلوب مع ما ينازع عقلاءَهم من مشكلات يرون الدين هو الأقدر على حلها، تجعلهم بمثل هذا الاضطراب والحيرة في علاقتهم بالدين، ولكن هناك مؤشر آخر له أهميته: أن الدين ذاته يفرض نفسه بقوة ولا يمكن حتى مع المتغربين أن يتم تجاهله تمامًا، والخطورة هنا أن ينساق بعض الناس خلف المجالات التي يريد المتغربون جعلها للدين، بينما الدين أوسع من ذلك، فليس أخذ الدين من أجل الترقيع وإكمال ثغرات وحل مشكلات، وإنما أخذ الدين يكون بحق وبقوة، والاستمساك به والاعتصام به يكون أصلًا وغيره فرع عنه وتابع له.
[النموذج الرابع]
يصعب القول بأن العلم الحديث -لوحده- فيه كفاية وأنه يشمل حاجات البشرية، ولهذا نجد المتغربين يضيفون له الثقافة التي نشأ فيها، والحضارة التي ظهرت معه، وهي هنا الثقافة والحضارة الغربية، فإذا كان العلم الحديث قد نشأ في الغرب فلنأخذه ولنأخذ ما حوله كما يقولون. يتحول العلم هنا إلى ذريعة لجلب الحضارة الغربية بكل مكوناتها لتكون بديلًا عن هويتنا وثقافتنا التي يريدون منا تركها، هذا بارز في دعاة التغريب والعلمنة من غير المهتمين بالعلم ذاته وإنما همهم الفكر والأدب الفن والثقافة الغربية، ويجعلون العلم وسيلة لذلك الهدف، ويتذرعون بمصطلح الكونية والشمولية والعالمية للثقافة الغربية.
من بين أبرز من أصّل لهذا المصطلح "الكونية""عزيز العظمة"، فهو يروج للعلمانية تحت دعوى "الكونية"، ويستند إليه لتبرير انسياق التيار التغريبي نحو أخذ كل ما في الغرب، وأن كل ثقافتنا مصيرها الفناء لتترك الباب خلفها لكونية غريبة لا محالة، وهو البديل عندهم لثقافتنا وحضارتنا وديننا. إن الغرب الحديث بكل ما فيه هو مصير العالم كله، وتاريخ الغرب هو التاريخ الكوني الذي يبتلع كل التواريخ "فالتاريخ الكوني هو تاريخ طبيعي ينتظم كل التواريخ ويصحح