للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالثالوث في اللاهوت، وقال بعضهم: بل كان يعتقد به" (١). وهكذا يُعرّفون بمثل هؤلاء العلماء مع مراعاة حساسية ما يخالف مذهب أتباع المجلة.

ولكن إن كان العالم المحتفى به ممن أعلن الإلحاد، أو أظهر موقفًا لا مباليًا من الدين، مثل "داروين"، فإنهم يُبرزون وسيلة أخرى للخروج من المشكلة بقولهم: إن الدين شأن شخصي بين العبد وربه، وسواء أعلن الإلحاد أو الإقرار فما علاقة ذلك بعلمه (٢)؟ والآن أذكر مثالين من بين ما طرحته مجلة المقتطف، عن نظريتين علميتين، وآثار ذلك.

[المثال الأول: نظرية الفلك الجديدة ومسألة دوران الأرض]

من بين معالم النظرية الجديدة في الفلك إثبات دوران الأرض، وهي مسألة لم يكن يترتب عليها آنذاك كبير أثر، وليس لديهم آنذاك سوى تقليد علماء أوروبا، فلم يكن بين المسلمين ولا نصارى العرب من كان عالمًا في الفلك حتى يكون في منزلة الندّ لهم فيكشف لنا عن يقين المسائل المختلف حولها في تلك النظرية، ولم تكن المسألة بتلك الأهمية حتى يتكلم عليها علماء الإسلام، فتركت لأهل الفلك، وأغلبهم قديمًا يقلد اليونان في ذلك، مع أنه قد ذُكر في بعض كتب العقائد الإسلامية الكلامية كروية الأرض وحركتها (٣)، وكان السائد عند النصارى هو ثبات الأرض، هذا هو ظاهر النصوص التي بين أيديهم، مع أن في النصوص الإسلامية ما يحتمل ذلك، ومعلوم أن الظاهر ليس بقطعي الدلالة وإن كان الصحيح منه قطعي الثبوت، ومن ثم يبقى النص على ظاهره ما لم يثبت خلاف ذلك بدليل قطعي، عندها نذهب إلى القطعي، وسيأتي لذلك مزيد كلام لاحقًا بإذن الله.

ففي مثل هذا السياق الثقافي والتاريخي لم تكن الأمة مستعجلة على هذه المعرفة، فهناك ما هو أولى منها وأصح وأنفع، والأمة لا تملك من علماء الفلك من يستطيع الفصل في المسائل، والأجواء التي تُستقبل فيها مثل هذه المعلومات


(١) المرجع السابق ١/ ١٥٢.
(٢) المرجع السابق ٧/ ٢٩٢ السنة السابعة، سنة (١٨٨٢ م).
(٣) انظر: المواقف في علم الكلام، عبد الرحمن الإيجي ص ٢١٩ - ٢٢٠، وانظر: جواهر العلوم والآداب. . . .، طنطاوي جوهري ص ١١٥ - ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>