للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه يكشف لنا خطل كثير مما سيأتي من مواقف ومقولات المتغربين العرب في ميدان علم الاجتماع بعد أن أسلموا قيادهم لمقولات وضعوها موضع الحقائق المسلمة، وأخيرًا فهذا الاعتراف بالأزمة يكشف "لنا أن هذه الأزمة ذاتية وليست عابرة، فهي أزمة في الأسس نفسها التي قام عليها علم الاجتماع، بحيث تفقد هذه الأسس إطارًا مرجعيًا موحدًا قادرًا على إعطاء رؤية منهجية موحدة" (١). فإذا كان العلم يمر بمثل هذه الأزمة؛ فهو يكشف أن تعامل التغريبيين بمثل تلك القطعية مع الدين والقيم والوحي بحجة الموضوعية والعلمية فيها من الهوى ما فيها، وعندها يحق لنا مساءلتهم عما وراء العلم المزعوم الذي يتسترون خلفه.

[كيف ينظر علم الاجتماع للدين؟]

بما أن علم الاجتماع يهتم بالمجتمع فلابد أن يهتم بالدين، لذا كانت "دراسة الدين من الموضوعات التي نالت اهتمامًا كبيرًا من جانب علماء الاجتماع، وامتدت تلك الفترة الكلاسيكية لعلم الاجتماع من (١٨٥٠ - ١٩٢٠ م)، أنجز خلالها كل من دوركايم وماكس فيبر دراساتهم الشاملة للدين" (٢)، فقد كانت مسألة الدين "عند نشوء السوسيولوجيا نقطة محورية في فكر مؤسسي هذا العلم، ورهانًا أقوى في مجهودهم لتحديد شروط إمكانية قيام علم بالاجتماعي" (٣)، بل هناك من يقول: "إن ولادة علم الاجتماع كعلم قائم قد ارتبطت بشكل وثيق بالتساؤل حول مستقبل الدين في المجتمعات الغربية" (٤).

تشعرنا هذه النشأة وكأنه علم من علوم الدين، ولكنه في حقيقة أمره ولاسيّما وقت النشأة هو أشبه بالعلم الذي يريد وراثة الدين والقيام بدوره، إلا أنه لا يعترف بكل ما هو غيبي في الدين بما في ذلك ركنه الأساسي وهو الإيمان بالله وما يرتبط بهذا الإيمان من لوازم. ولا شك أن الإطار "الفيورباخي" الذي


(١) انظر: منهج البحث الاجتماعي .. ، محمد أمزيان ص ١٢٣ وما بعدها.
(٢) الدين والمجتمع. دراسة في علم الاجتماع الديني، د. حسين رشوان ص ٧٣، وانظر: الدين في المجتمع العربي ص ١٣٩، من بحث: عاطف غضيبات.
(٣) الدين في المجتمع العربي ص ١٢٧، من بحث: محمد شقرون، وانظر: نشأة الدين، د. علي النشار ص ١٥.
(٤) الأديان في علم الاجتماع، جان - بول ص ٩، ترجمة بسمة بدران.

<<  <  ج: ص:  >  >>