الذي هو البقية الباقية عندهم رغم ما فيه من النواقص، وهذا يؤدي إلى القضاء على ما بقي من لاهوت ديني. ونحن نعلم أن ما بقي من الإقرار بالربوبية هو معتقدٌ مهم في قيام النسق الديني اللاهوتي بشقيه اليهودي والنصراني، فإن الكنيسة في الجانب النصراني قد اعتمدت اجتهادات "توما الإكويني" أو إصلاحات "لوثر" وجيله عند البروتستانت، وهي تنطلق عادة من إثبات وجود الرب سبحانه وربوبيته، فإذا تقرر ذلك انتقلوا إلى بقية المعتقدات والشرائع والطقوس النصرانية، وعندما يُضرب الأصل ينهار البنيان أو يتأثر.
ومع أننا نجد نظام "ديكارت" و"نيوتن" يعتمد اعتمادًا كليًا على إثبات وجود الرب سبحانه، فهما على الأقل يريان بأنه موجود، وأنه خالق العالم ومحركه حتى ولو "بالدفعة الأولى"، إلا أن صورة النظام الجديد للعالم عندهما تُلغي الحاجة إلى الإيمان بربوبية كاملة للرب سبحانه وتوحيده في أفعاله من الملك والخلق والتدبير، وهذا ما قاله نابليون عندما عُرض عليه هذا النظام، إذ تساءل عن وظيفة الرب في هذا النظام، فأجابه "لابلاس" بأن ذلك افتراض لم يعد له حاجة لتفسير نظام العالم.
[ج- النقاش حول علاقة العلم بالدين]
لقد كانت الكنيسة أيام "جاليليو" ومن قبله قادرة على الهيمنة ومنع الأقوال المخالفة، أما في زمن "نيوتن" فقد بدأ شأنها يضعف، وستنهار مكانتها بعد موته بسنين قليلة، لذا لم يكن من حلٍ سوى الحوار والنقاش، وليقدم كل ما عنده.
ففُتح في هذا الجو النقاش حول علاقة العلم بالدين، بعد أن أصبح العلم المقصود به علم الطبيعة كالفلك والفيزياء وما في بابهما، والدين المقصود به في المقام الأول اللاهوت النصراني، وإلى حدِّ ما اليهودي المعروف في أوروبا وقت ظهور هذه المشكلة، وهي مسألة تحتاج إلى أن نفرد لها مساحة خاصة.
تذكر مصادر تاريخ الفكر الغربي عن "نيوتن" عدم دعوته لمخالفة الكنيسة، وأنه من موضعه بوصفه عالمًا لا يرى تعارضًا حقيقيّا بين العلم والدين، بل إن العلم ليدل على وجود الرب سبحانه بما نكتشفه من بديع خلقه، أما مسائل الطقوس الكنسية فلا علاقة لها بالعلم ولم يكن يحرص عليها عامة المفكرين والعلماء آنذاك، وما كان يعنيهم في الدين هو الإقرار بوجود الرب وصنعه للعالم.